سلفيت - سارة بهلول-
يصحو الحاج الثمانيني أمين مخلوف باكراً متجها إلى أرضه المحاطة بعدد من المستوطنات في بلدة دير استيا بمحافظة سلفيت، غير آبه بما يمكن أن يتعرض له وأفراد عائلته من اعتداءات متكررة في موسم قطف ثمار الزيتون.
يقول مخلوف الذي دأب على المشاركة في قطف ثمار الزيتون للعام الأربعين على التوالي بأنه ورث الأرض عن أبيه، وهو حريص على رعايتها والعناية بشجرة الزيتون التي يصفها بأنها "ثروة اقتصادية" تعينه على توفير احتياجات أسرته المعيشية.
ويضيف"هذه الأرض نحرص على رعايتها والحفاظ عليها، فقد ورثتها عن أبي وسأورثها لأبنائي، فهي مصدر وجودنا، والزيتون هو حياتنا، ولن نتخلى عنه رغم أن الاحتلال يسعى إلى طردنا من أرضنا".
يتعرض مخلوف هو وأفراد عائلته إلى عملية مطاردة مستمرة من قبل المستوطنين بحماية جنود الاحتلال لمنعه من التوجه إلى أرضه وقطف ثمار الزيتون، لكنه رغم ذلك يعود مجدداً إلى أرضه غير مكترث بهذه الاعتداءات والتهديدات.
يقول"يطاردوننا بين الحقول باستمرار، وأحياناً يعتدون علينا، ويحددون لنا أوقاتاً محددة للتواجد في أرضنا، لكننا لا نبالي ونستمر في قطف الثمار، فهذه أرضنا وهم المحتلون"، منوهاً إلى أن شجرة الزيتون تمثل له ثروة اقتصادية لا يمكن التخلي عنها، فهي عنوان البقاء ومصدر رزقه هو وعائلته.
ويتابع" الاحتلال والمستوطنون يعتدون على الأهالي بلا سبب، إنهم يريدون تهجيرنا، وهو أمر لن يحققوه، فالفلسطيني متمسك بأرضه وزيتونه، لكن يظل الاستيطان العدو الرئيسي لهذه الشجرة المباركة".
مخلوف ليس إلا واحداً من المواطنين الذين يتمسكون بأرضهم وشجرتهم المباركة، رغم كل ما يتعرضون له من اعتداءات خلال موسم قطاع الزيتون، فيعيشون لحظات صعبة ومريرة في ظل اعتداءات المستوطنين التي تزداد عنفاً بحماية من جيش الاحتلال.
يقول المواطن ناصر مخالفة من قرية دير استيا إنهم يعيشون أوقاتاً عصيبة خلال قطف ثمار الزيتون في ظل اعتداءات المستوطنين المتواصلة، مشيراً إلى أنهم لا يريدون من الأهالي الوصول إلى أراضيهم أو الاستفادة من الشجرة المباركة، لأنهم يعرفون قيمتها الاقتصادية والمعنوية لدى الفلسطيني.
يضيف مخالفة"الأرض بالنسبة لنا تساوي العرض، ودون الزيتون لا يوجد معنى لوجودنا"،لافتاً إلى أن توسع الاستيطان في الضفة الغربية يشكل أكبر عائق أمام الاستفادة من خراج الشجرة المباركة.
رحلة التحدي التي يخوضها المواطنون للدفاع عن أشجار الزيتون شاقة ومريرة، فهم غالباً ما يتكبدون خسائر جسيمة نتيجة قيام المستوطنين باقتلاع أشجارهم أو حرقها.
المواطن أحمد حمدان ( 71) عاماً تفاجأ ذات صباح بتعرض (35) شجرة زيتون قديمة عمرها أكثر من (60) سنة للقطع ما كبده خسائرة جسيمة.
يقول حمدان "الرجل يتعب على رعاية شجره عبر السنوات، ليوفر مصدر دخل له ولعائلته، فيأتي هؤلاء المستوطنون والمحتلون خلسة تحت جنح الظلام ليقوموا بأعمال التخريب".
ويضيف"نسأل الله أن يخلصنا من هؤلاء المحتلين، الأرض غالية مثل الولد، هم يحاولون دفعنا إلى الرحيل، لكننا سوف نبقى ثابتين في أرضها وسنستمر في تعميرها، كل شيء يمكن تعويضه، فنحن منغرسون في هذه الأرض كما شجرة الزيتون".
يقول فياض فياض مدير عام مجلس الزيتون الفلسطيني إن قطاع الزيتون في فلسطين يتعرض إلى ثلاثة أنواع من اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه، الأول يتمثل بالقوانين العسكرية التي يطبقها الاحتلال في مناطق الضفة الغربية ويمنع بموجبها المزارعين من التزود ببعض الأسمدة الضرورية للزراعة أو مصادرة الأراضي، والثاني يتعلق باعتداءات المستوطنين على شجرة الزيتون وعلى المزراعين، والثالث بجدار الفصل العنصري الذي يحرم الأهالي من الوصول لأراضيهم خلف الجدار.
وينوه إلى أن أشدّ هذه الاعتداءات خطورة يتمثل بالمستوطنين وتتجسد عبر ثلاثة أوجه، الأول من خلال الاعتداء المباشر على شجرة الزيتون بالحرق والقلع والتسميم وتجريف الأراضي أو إغراقها بالمياه العادمة، والثاني الاعتداء المباشر على المزارعين أثناء قطفهم لثمار الزيتون وسرقة محاصيلهم والأدوات التي يعملون بها، والثالث يتعلق بالأراضي المحيطة بالمستوطنات حيث يمنع أصحابها من دخولها، مشيراً إلى أن الاحتلال منع العام الماضي المواطنين من الوصول إلى نحو(128) ألف دونم مزروعة بالزيتون منها قرابة (48) ألف دونم قريبة من المستوطنات، بالإضافة إلى نحو (40) ألف دونم خلف الجدار، ومثلها في قطاع غزة، ما أدى إلى خسارة نحو10% من إنتاج الموسم.
أما فيما يتعلق بالموسم الحالي، فيبين فياض أن الاعتداءات انحسرت لتكون في مناطق الضفة بعد تدمير شجرة الزيون في قطاع غزة بسبب الحرب، منوهاً إلى أن الاحتلال منح هذا العام تصاريح للمزارعين الذين تقع أراضيهم خلف المستوطنات، اشترط بموجبها المكوث في تلك الأراضي لأيام محدودة وضمن ساعات يحددونها مسبقاً، منوهاً إلى أن المدة التي حددها الاحتلال لا تكفي لقطف ثمار الزيتون المزروع في قرابة (40) ألف دونم خلف الجدار.
أما فيما يتعلق بالمستوطنات، فأوضح فياض أن الاحتلال يمنع الاقتراب من المناطق القريبة منها إلا بتصاريح محددة وضمن شروط قاسية، منوهاً إلى أن المساحات المتاخمة للمستوطنات ويصعب قطفها تصل إلى (48) ألف دونم، بالإضافة إلى قرابة (40) ألف دونم خلف الجدار، ما يعني أن هناك صعوبات جادة ومعيقات حقيقية تتعلق بقطف ثمار الزيتون لنحو(88) ألف دونم في الضفة.
ويشير فياض إلى أن اعتداءات الاحتلال والمستوطنين على قطاع الزيتون تستمر على مدار العام وليس فقط خلال موسم قطف الزيتون، وإن كانت الاعتداءات تزداد وتكون أكثر عدوانية خلال موسم القطف.
ووفق تقديرات وزارة الزراعة، يبلغ عدد أشجار الزيتون في فلسطين حوالي 11مليون شجرة زيتون، منها نحو 9.3مليون شجرة مثمرة، ونحو 1.7مليون شجرة لم تصل بعد إلى مرحلة الإنتاج.
ويتوقع هذا العام انتاج ما يقارب(18) ألف طن زيت، يستهلك منها ثلثيها ويصدر الثلث الثالث إلى الخارج.
----------
*هذه المادة تدريبية ضمن مساق "الصحافة الاقتصادية" لطلبة كلية الإعلام في جامعة "القدس المفتوحة"