مقابلة خاصة مع د. محمد اشتية: تحديات القضية الفلسطينية وموقف حركة فتح

محمد اشتية رئيس الوزراء الفلسطيني السابق

- الوحدة الوطنية ليست خيارًا بل شرط أساسي لمواجهة التحديات المصيرية التي يواجهها الشعب الفلسطيني، بما في ذلك التهجير والإبادة الجماعية ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية.
- حركة فتح بذلت جهودًا كبيرة لتحقيق المصالحة الوطنية مع حركة حماس، وهي مستعدة للمصالحة الحقيقية لإنهاء الانقسام.
- وحدة الفلسطينيين تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية هي الأساس، وأن برنامج المنظمة يتضمن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس، وضمان حق العودة للاجئين.
- تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتعلقة بالقضية الفلسطينية لن يكتب لها النجاح
- الشعب الفلسطيني يسعى للعودة إلى وطنه وليس للبحث عن بدائل.
- أهمية الدعم العربي والإقليمي في توفير مقومات الحياة والصمود للشعب الفلسطيني.
- ضرورة استنهاض الحركة واستعادة دور منظمة التحرير لتعزيز وحدة الموقف الفلسطيني وتنفيذ البرنامج الوطني.

فلسطين24: خاص: أكد محمد اشتية، رئيس الوزراء الفلسطيني السابق وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، في مقابلة خاصة مع "فلسطين24"، على أهمية الوحدة الوطنية كشرط أساسي لمواجهة التحديات الراهنة. كما شدد على موقف حركة فتح الثابت تجاه المصالحة الوطنية، وأوضح أن البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية هو الأساس لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني. فيما يتعلق بالتصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، اعتبر اشتية أن هذه التصريحات تشكل تهديدًا خطيرًا للقضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بأي مشروع يهدف لتصفية حقوقه. وتناول أيضًا الوضع السياسي الداخلي لحركة فتح والتحديات التي تواجهها، بالإضافة إلى رؤيته المستقبلية للتعامل مع الضغوط المحلية والدولية." وفيما يلي نص الحوار:
حول الوضع السياسي الداخلي في فلسطين:
كيف ترى الوضع السياسي الداخلي في فلسطين في ظل التحديات الراهنة؟ وهل هناك أي تقدم في المصالحة الوطنية بين فتح وحماس؟
"لا يمكن لأي شعب منقسم أن يحقق النصر. الوحدة الوطنية ليست مجرد خيار، بل هي شرط أساسي لقدرتنا على مواجهة التحديات المصيرية التي نعيشها اليوم، سواء كانت محاولات التهجير، أو الإبادة الجماعية، أو المشاريع السياسية الرامية إلى ضم الأراضي، أو تهجير أهلنا قسرًا، أو تصفية القضية الفلسطينية عبر ضم القدس وعزلها. هذه التحديات والمخططات تُفرض علينا باستمرار، ومن أجل التصدي لها، نحتاج إلى وحدة وطنية حقيقية وصلبة.
لقد بذلت حركة فتح كل الجهود الممكنة لتحقيق هذا الهدف. رؤيتنا واضحة تمامًا: جميع الفلسطينيين يجب أن يكونوا تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، فهي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والخيمة التي تجمع القوى الوطنية كافة. منظمة التحرير لديها برنامج سياسي واضح، حظي بموافقة جميع فصائلها، وبالتالي، فإن أي طرف يسعى للانضمام إليها عليه أن يلتزم بهذا البرنامج.
يتمثل هذا البرنامج في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطين على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين. هذه المبادئ واضحة ولا لبس فيها، ولكن رغم ذلك، لا يزال مشروعنا التحرري غير مكتمل. نحن بحاجة إلى التوافق على رؤية سياسية موحدة، إلى جانب تحديد الأدوات والوسائل اللازمة لتنفيذها، إذ لا يمكن مواجهة الاحتلال دون استراتيجية واضحة، ولا يمكن خوض معركة دون أدوات سياسية وميدانية مناسبة.
فيما يتعلق بالمصالحة مع حركة حماس، فقد كنا، وما زلنا، مستعدين للانخراط في مصالحة حقيقية. لقد فتحنا أيدينا لهذه المصالحة واتخذنا الخطوات التي تم الاتفاق عليها، لأن استمرار الانقسام لم يعد مقبولًا. الانقسام الفلسطيني هو ما تسعى إليه إسرائيل منذ 17 عامًا، وكل سياساتها في هذه الفترة كانت تهدف إلى فصل غزة عن باقي الأراضي الفلسطينية، وعزل القدس عن محيطها، وتوسيع الاستيطان وفرض السيطرة على الضفة الغربية.
التضامن الفلسطيني وتعزيز الوحدة الوطنية هما السبيل الوحيد لإفشال هذه المخططات. إن إنهاء الانقسام لم يعد مجرد مطلب سياسي، بل ضرورة وطنية من أجل الحفاظ على الحقوق الفلسطينية والتصدي لمشاريع التصفية والتهجير التي يفرضها الاحتلال."
حول الوضع بعد تصريحات ترامب:
كيف ترى تأثير تصريحات ترامب على القضية الفلسطينية؟ وما هي الردود الفلسطينية المناسبة في ظل هذه التصريحات؟
"ترامب يسعى للاستيلاء على ما لا حق له فيه، لكن فلسطين ليست أرضًا مؤجرة يمكن طرد سكانها منها. الأراضي الفلسطينية بجميعها هي أساس الدولة الفلسطينية، وقاعدتها الجغرافية، وجوهر هويتنا الوطنية، وهي الأرض التي نشأنا عليها ومنها، والتي نمتلك فيها حق تقرير المصير.
الشعب الفلسطيني ليس لاجئًا يبحث عن موطن جديد، بل شعب أُجبر على مغادرة وطنه بالقوة، ويناضل من أجل العودة إليه، وليس للبحث عن بديل في أي مكان آخر. مشروع ترامب ليس سوى تكرار لمشاريع التهجير السابقة التي فشلت جميعها، وسيفشل هذا المشروع أيضًا. لا أحد من الفلسطينيين، ولا العرب، ولا حتى المجتمع الدولي، يمكن أن يقبل به."
هل تعتقد أن إدارة ترامب ستغير سياسات الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية مقارنة مع إدارة بايدن؟
"جميع الإدارات الأمريكية تتفق على دعم إسرائيل، لكن الفارق يكمن في الأسلوب؛ فبعضها يدعم بشكل فج وعلني وعدائي للشعب الفلسطيني، بينما يفضل البعض الآخر تقديم الدعم في إطار الحفاظ على التفوق الإسرائيلي. في المحصلة، لا فرق جوهريًا بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة فيما يتعلق بهذا الدعم.
أما إدارة ترامب، فسياساتها واضحة منذ البداية؛ فهي تسعى إلى تهجير أهل غزة، وتمنح الضوء الأخضر لضم الضفة الغربية، وتهدد الأمن القومي للأردن ومصر وسوريا. مشروع ترامب ليس مشروع سلام، بل مشروع عدائي، ولذلك لن يُكتب له النجاح. نعم، رئيس الولايات المتحدة قادر، لكن شعبنا بصموده أقدر."
كيف يمكن أن يتعامل الفلسطينيون مع الضغوط الدولية والمحلية الناتجة عن هذه التصريحات؟
"عُقدت عدة اجتماعات مع اللاعبين الرئيسيين، وأُجريت اتصالات دولية مكثفة. كما ستُعقد قمة عربية طارئة في 27 من الشهر الجاري، بدعوة من فلسطين، ومصر، والسعودية، والأردن، لمواجهة مشروع ترامب والخروج بموقف عربي موحد. هذه القمة ستمهد لخطوة مهمة، وهي الاجتماع الدولي المزمع عقده في شهر يونيو، والذي تم اتخاذ قرار بعقده بهدف تعزيز حل الدولتين، برعاية السعودية وفرنسا."
في ظل تصاعد القلق على مستقبل القضية الفلسطينية، ما هي رؤيتك المستقبلية؟
"أولًا، القضية تمر بأصعب مراحلها، وحجم التحديات كبير. إسرائيل أعادت احتلال الأراضي الفلسطينية بالكامل، وتسعى لإنهاء وكالة الأونروا، حيث أوقفت عملها، فيما أوقفت الولايات المتحدة تمويلها. ميدانيًا، يتم هدم المخيمات في جنين وطولكرم، ويبدو أن المخطط يشمل بقية المخيمات. إعادة احتلال الضفة وغزة تعني تقويض سلطة السلطة الفلسطينية.
لا يوجد أفق سياسي، فالحوار داخل إسرائيل يدور حول الطرد والتهجير وتكثيف الاستيطان، دون أي حديث عن السلام، ولا يوجد شريك هناك. هذا الواقع يتطلب وحدة فلسطينية وعربية لمواجهته.
اليوم، انتقلت إسرائيل إلى مرحلة الصهيونية الدينية، التي لا تعتمد على السياسة بل على أساطير دينية لتبرير الاستيطان، تهويد القدس، والتهجير. إسرائيل ألغت فعليًا اتفاقات المرحلة الانتقالية مع منظمة التحرير.
إذا ارتقى العرب إلى مستوى المسؤولية، يمكن تجاوز هذه المرحلة. المطلوب تعزيز صمود الفلسطينيين، وهذا يتطلب توفير مقومات الحياة، وهو دور أساسي يجب أن تضطلع به الدول العربية."
حول وضع حركة فتح:
كيف تقيم وضع حركة فتح داخليًا في الوقت الراهن؟ وهل هناك تحديات تواجه الحركة من داخلها أو من خارجها؟
"حركة فتح لم تنجز بعد مشروعها التحرري، لكنها تواصل النضال على مختلف الجبهات. ميدانيًا، تخوض معركة مستمرة لإنهاء الاحتلال، ودوليًا، تعمل عبر السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير على تحقيق الاعتراف الدولي بدولة فلسطين ومحاصرة المشروع الاستيطاني الاستعماري.
تمر الحركة بمرحلة صعبة، شأنها شأن الشعب الفلسطيني ككل، وهي بحاجة إلى برنامج استنهاض يعيد توحيد فكرها السياسي، ويعزز وحدة موقفها وكوادرها، ويمكّنها من تنفيذ برنامجها الوطني. السلطة الوطنية والمنظمة هما الأداتان الأساسيتان لتنفيذ هذا البرنامج، إلى جانب أهمية الحفاظ على الشراكة الوطنية مع القوى السياسية المختلفة، مع الحرص على ألا يخرج أي من شركائنا عن الصف الوطني.
المطلوب اليوم أن تستعيد فتح عافيتها، وأن تستعيد منظمة التحرير دورها وقوتها، وأنا على ثقة بأننا قادرون على تحقيق ذلك، وأننا سنتعافى رغم التحديات." 



تعليقات