لسعة البرد القاتلة!

د.ابراهيم ملحم
د.ابراهيم ملحم
الكاتب: د.ابراهيم ملحم
في عتمة الليل، ولسعة البرد، ومرارة العيش بين الركام، يئنّ الأطفال والكبار داخل الخيام من آلامٍ صامتة، ترتجف منها القلوب الواجفة، وتنخر أوجاعها العظام الهشة من الأحمال الثقيلة، التي تنوء تحتها مئات العائلات التي فقدت سندها وعمود خيمتها في سعير الإبادة الموصوفة.
إلى ما دون الصفر، تدنّت درجات الحرارة خلال الليالي الماضية، ما تسبّب في تفاقم معاناة سكان الخيام، وقد فُجعوا بانجماد الأجساد الغضة، التي لم تقوَ على تحمّل لسعة البرد القاتلة، مثل الطفلة شام، ابنة الستين يوماً، حيث قضت مع خمسة من الأطفال، بعد أن استحالت الخيام إلى ثلّاجات.
لولا البطاطين، و"البكجة" التي كانت توزعها "الأونروا" على السكان في خيام اللجوء وبيوت الطوب، عقب نكبة ١٩٤٨، لَلقي العديد من الأطفال حتفهم تجمّداً، فكانت أُمهاتنا وجداتنا يدرأن عنا لسعة البرد بـ"لسعة الفرن"، أو الكانون الذي يُشعلنه، حتى تشتد نيرانه، موزعةً الدفء في جميع أرجاء البيت، فتحمرّ وجوهنا مثل جمر الموقدة، وتتعالى ضحكاتنا ونحن نقترب حتى المسافة صفر من صهدها، فننام حين يغشانا النعاس، بقلوبٍ دافئة، في ظل الأمهات اللائي يحدبن علينا، ويُسارعن لتغطية من يتكشّف منا، ونحن نتمدد أرضاً كالبنيان المرصوص، ننام بأنفاسٍ مطمئنة تحت البطاطين واللحف الرقيقة الـمُصفّحة بما تيّسر من بقايا الأقمشة. 

 

تعليقات