ميرنا جاسر.. فنانة فلسطينية تحوّل التحديات إلى إبداع

ميرنا جاسر.. فنانة فلسطينية تحوّل التحديات إلى إبداع
الفنانة التشكيلية ميرنا جاسر
فلسطين 24 - في حياة كل فنان نقطة تحول، لحظة تعيد تشكيل مساره، وبالنسبة للفنانة التشكيلية الفلسطينية ميرنا جاسر، جاءت تلك اللحظة خلال الحجر الصحي عام 2020، عندما أعادت اكتشاف موهبتها التي كانت قد أهملتها لسنوات. رغم عملها في وزارة الاقتصاد الوطني، حيث تشغل منصب رئيس قسم الاقتصاد الكلي، إلا أن الفن أصبح عالمها الموازي، وأداة تعبيرها عن قضاياها وشغفها العميق. في هذا الحوار، تأخذنا ميرنا في رحلة بين الألوان والرموز، بين الواقع والخيال، وبين الحلم والحقيقة.

بدايات واعدة... وموهبة منسية

تعود جذور عشق ميرنا جاسر للرسم إلى طفولتها، حيث اكتشف معلمها موهبتها مبكرًا. تتذكر قائلة:
"في سن السادسة عشرة، أخبرني أستاذ الفنون جلال ضبيط أنني سأكون فنانة بارزة يومًا ما. لم أكن أدرك آنذاك معنى كلماته، لكنني كنت أرسم بعفوية، دون وعي بمدى أهمية ذلك."

لكن مع انشغالها بالدراسة الجامعية في إدارة الأعمال بجامعة بيرزيت، ابتعدت عن الرسم تمامًا، حتى كادت أن تنسى أنها تحمل في داخلها هذه الموهبة.

العودة إلى الألوان خلال الحجر الصحي

لم يكن الحجر الصحي مجرد فترة عزلة، بل كان بالنسبة لميرنا نافذة جديدة للحياة. تحكي عن تلك اللحظة الفارقة قائلة:
"وجدت نفسي أمام شاشة الهاتف، أتابع فنانًا يرسم بأسلوب واقعي يبهرني. فجأة، شعرت برغبة قوية في أن أعود للرسم. اشتريت أدواتي، وبدأت بتجربة الألوان الأكريلية، ثم الزيتية، وكأن روحي استعادت شيئًا ضائعًا."

في غضون أشهر، كانت قد رسمت عشرات اللوحات، وبدأت بمشاركة أعمالها على وسائل التواصل الاجتماعي، مما فتح لها أبوابًا جديدة لم تكن تتوقعها.

من معرض محلي إلى العالمية

لم تستغرق ميرنا جاسر وقتًا طويلًا قبل أن تصل أعمالها إلى المعارض، حيث دعمتها جمعية الروزنا الفلسطينية، وشاركت في أول معرض لها بسوق البابورية – بيرزيت، برعاية وزارة الثقافة والجمعية الفلسطينية للفن المعاصر. ومن هنا، انطلقت إلى آفاق أوسع، وشاركت في معارض محلية ودولية، من أبرزها:

  • معارض محلية مع الجمعية الفلسطينية للفن المعاصر
  • معرض السومرية للثقافة والفنون في العراق
  • معرض وجود في الأردن، وهو توأمة بين فنانين فلسطينيين وأردنيين
  • معرض قاوم بفنك في معهد جميل غانم للفنون الجميلة – اليمن

كما أصبحت عضوًا في عدة منظمات فنية عربية وعالمية، مثل:

  • الاتحاد العالمي للفنانين التشكيليين العرب
  • جمعية الملتقى التشكيلي "حنين" – فرع الخليل
  • منتديات وجمعيات فنية في ليبيا، الجزائر، اليمن، مصر، المغرب، العراق، تركيا، وإيطاليا

السريالية... هوية فنية مميزة

تميّزت ميرنا جاسر بأسلوبها الفني السريالي، حيث لا تكتفي برسم الواقع، بل تعيد تشكيله برموز تحمل معاني عميقة. تقول:
"لم يكن انتقالي إلى السريالية مجرد صدفة، بل كان تحديًا فرض نفسه. في البداية، قيل لي إن أعمالي متأثرة بالفن الغربي، مما دفعني لإيجاد بصمتي الخاصة، فبدأت بمزج الأسلوب السريالي مع الرموز الوطنية الفلسطينية."

وكانت النتيجة لوحة "حرقة انتظار"، التي رسمتها بعد عشرة أشهر فقط من عودتها للرسم، وفازت بها بجائزة المجموعة العربية العالمية – فرع لندن 2021 كأفضل عمل فني سريالي عربي.

بين الاقتصاد والفن: كيف يلتقيان؟

رغم عملها في مجال الاقتصاد، ترى ميرنا جاسر أن هناك رابطًا خفيًا بين مهنتها وفنها. توضح ذلك قائلة:
"في الاقتصاد، نعتمد على التحليل والاستنتاج لفهم البيانات. في السريالية، الأمر مشابه؛ كل لوحة تحمل رموزًا تحتاج إلى تحليل عميق لفك معانيها. كلا المجالين يعتمدان على العقل التحليلي والتفكير خارج الصندوق."

الفن كأداة للنضال الوطني

تحرص ميرنا جاسر على تضمين عناصر فلسطينية في أعمالها، وترى أن الفن التشكيلي يمكن أن يكون وسيلة قوية لإيصال الرسالة الفلسطينية للعالم. تقول:
"الفن ليس مجرد هواية، بل هو صوت، ورسالة. نحن بحاجة إلى إيصال قضيتنا للعالم بطرق جديدة، وأعتقد أن الفن يمكن أن يكون وسيلة قوية لفعل ذلك."

دعم العائلة... وتحفيز الأصدقاء

تشير ميرنا جاسر إلى أن عائلتها وأصدقائها لعبوا دورًا كبيرًا في دعمها وتحفيزها، سواء من خلال التشجيع أو توفير الأدوات الفنية لها. تقول:
"كانوا يؤمنون بموهبتي حتى قبل أن أدرك قيمتها. لكنني كنت أتردد، حتى جاء الحجر الصحي وأجبرني على مواجهة ذاتي، فاكتشفت أنني أملك شيئًا ثمينًا يجب ألا أضيّعه."

الطموح نحو معرض فردي

رغم نجاحاتها العديدة، لا تزال ميرنا جاسر تسعى لتحقيق حلمها الأكبر: إقامة معرض فردي يحمل اسمها. تقول:
"أريد أن يكون لي معرض شخصي يعكس رحلتي، ويُظهر للناس أن الفن يمكن أن يكون طريقًا للحياة، وليس مجرد هواية عابرة."

رسالة أخيرة للشباب

تختم ميرنا جاسر الحوار برسالة لكل شخص يملك موهبة لكنه متردد في تطويرها:
"لا تؤجلوا اكتشاف أنفسكم. جربوا، خذوا الفرص، وامنحوا مواهبكم المساحة التي تستحقها. أنا مثال على أن الحياة قد تفاجئنا بفرص لم نكن ننتظرها، لكن علينا أن نكون مستعدين لاغتنامها."

 








تعليقات