أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

الصحة النفسية في غزة: جراح لا تُرى في زمن الحرب


فلسطين24: غزة: منجد حلس: في شوارع غزة المدمرة، لا يقتصر الألم على الأنقاض والجراح الجسدية، بل يمتد عميقًا ليطال الأرواح والنفوس التي أنهكتها الحرب المستمرة. بين القصف المتواصل، ونقص المياه والكهرباء، وفقدان الأحباب، تتكشف معاناة نفسية عميقة، خاصة بين الأطفال والشباب الذين باتوا يعيشون تحت وقع الرعب دون انقطاع.
طفولة تحت النار
لا تُشبه طفولة غزة سواها، فهي طفولة مغزولة من الخوف والدموع. في كل لحظة تسقط فيها قذيفة أو يرتفع فيها صوت الطائرات، يرتجف قلب طفل صغير فقد منزله أو أحد أحبائه.
تقول أم محمد، وهي نازحة في أحد مراكز الإيواء: "طفلي لا ينطق إلا بكلمة (قصف)، حتى في لعبه يقلد صوت الطائرات. لا يعرف معنى العيد، ولا يطلب ألعابًا، بل يسأل إن كنا سنموت اليوم أم غدًا".
تُظهر تقارير طبية حديثة أن معدلات الاضطرابات النفسية بين الأطفال قد تضاعفت منذ بداية الحرب الأخيرة، مع انتشار أعراض مثل اضطراب ما بعد الصدمة، التبول اللاإرادي، الأرق، والكوابيس المستمرة.
شباب فقدوا أحلامهم
أما الشباب، فقد تحوّل مستقبلهم إلى كومة من الركام مثل منازلهم. يحاصرهم الشعور بالعجز واليأس، بعد أن أصبح الموت المفاجئ حقيقة يومية، وفقدان الأصدقاء والأقارب مشهدًا متكرّرًا.
يقول أحمد (24 عامًا)، وهو طالب جامعي نجا من قصف منزله: "كنا نحلم بوظيفة أو سفر أو زواج، الآن نحلم فقط بأن نعيش يومًا آخر دون موت أو فقدان".
ظاهرة الاكتئاب الشديد والانفجارات الغاضبة أصبحت أكثر وضوحًا بين أوساط الشباب، الذين لم يعد لديهم أمل بشيء سوى النجاة.
مرافق صحية عاجزة ودعم نفسي شبه معدوم
تحت الحصار والقصف، انهارت العديد من المراكز الصحية، بما فيها العيادات النفسية القليلة التي كانت تقدم بعض الدعم. تعاني المستشفيات الآن من نقص حاد في الكوادر، والأدوية، والموارد الأساسية، مما يجعل الاهتمام بالصحة النفسية شبه معدوم.
تقول الدكتورة سهى المصري، وهي طبيبة نفسية تعمل ضمن فريق طوارئ: "نحن الآن نحاول فقط تقديم الإسعافات النفسية الأولية للأطفال والناجين، لكن لا توجد برامج تأهيل حقيقية وسط هذا الدمار. الجميع بحاجة إلى علاج نفسي جماعي".
مبادرات محدودة في زمن الحرب
رغم الكارثة، تحاول بعض المبادرات الصغيرة أن تبث بصيص أمل عبر جلسات دعم نفسي طارئة داخل مراكز الإيواء، باستخدام أدوات بسيطة مثل الرسم والألعاب الجماعية للتنفيس عن الأطفال. إلا أن حجم الكارثة يفوق بكثير إمكانات هذه المبادرات.
خاتمة: الجراح الخفية تتسع
في غزة، لا تلتئم الجراح بسهولة، خاصة تلك التي لا تُرى بالعين المجردة. ومع استمرار الحرب، تتعمق ندوب الخوف والألم في قلوب الناس. وإذا لم يُعالج هذا النزيف النفسي، فإن آثاره ستبقى لعقود قادمة، وستحمل الأجيال القادمة عبء هذه المآسي التي يعيشها الغزّيون اليوم.

 

 

تعليقات