أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

“قمامة الحرب” تطرق أبواب الصحة العامّة وتدق ناقوس البيئة



فلسطين24: غزة: منجد حلس: مع تصاعد وتيرة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لا تتوقف معاناة سكانه عند مشاهد الدمار الحربي والدماء المسفوكة فحسب، بل تتسع لتشمل أزمة بيئية صحية غير مرئية لكنها قاتلة. تتراكم النفايات في الشوارع والأحياء، وتصبح بمثابة قنبلة موقوتة تهدد حياة أكثر من مليوني شخص يعيشون في هذه البقعة الصغيرة. شلل خدمات البلديات، جراء استهداف مقارها وتدمير البنية التحتية الأساسية، يؤدي إلى انبعاث روائح كريهة ونمو الحشرات والجراثيم التي تنذر بتفشي الأمراض والأوبئة. في هذا التقرير، نكشف عن تلك الأزمة الخفية التي تلوح في الأفق، مع تسليط الضوء على الأثر البيئي والصحي لتراكم النفايات، ونداءات الاستغاثة التي ترفعها الجهات المعنية في محاولة للحد من الكارثة التي تهدد الجميع.
شلل البلديات وتراكم النفايات
منذ اللحظة التي تعطّلت فيها شاحنات البلديات بفعل القصف ونفاد الوقود، تشكّلت في شوارع غزة قنبلة بيئية موقوتة: آلاف الأطنان من النفايات الصلبة بلا جامع ولا مكبّ. استهداف مقارّ البلديات، وتدمير مكبَّي جحر الديك ودير البلح الرئيسيين، شلّ منظومة النظافة العامة في أكثر من ثمانين في المئة من القطاع. ومع كل يوم يمرّ، تتنامى أكوام القمامة التي تُطلق روائح التحلّل وتجذب الحشرات والقوارض، في مشهد يختصر انهيار الخدمات الأساسية تحت وطأة الحرب.
أثر صحي كارثي: الأمراض تزداد
الأثر الصحّي لم يتأخر. بيانات وزارة الصحة لشهر أبريل/نيسان 2025 تشير إلى قفزة لافتة في حالات الإسهال المائي الحادّ، والطفح الجلدي، والتهابات الجهاز التنفّسي، لا سيما في مراكز الإيواء المكتظّة. أم حسن، نازحة تقيم مع أطفالها في مدرسة غربي المدينة، تصف المشهد بقولها: «القمامة تحاصرنا من كل جانب. رائحة المكان خانقة وأطفالي لا يملكون ماءً كافيًا لغسل وجوههم». شهادة تؤكّد أن الخطر لم يعد افتراضياً، بل صار وجعاً يومياً يتنفسه الناس مع هواء ملوّث بالميكروبات.
نداءات استغاثة: أملٌ في الاستجابة
نداءات استغاثة أطلقتها وزارة الحكم المحلي والهيئات الأهلية تطالب بتدخّلٍ عاجل يوفّر الوقود اللازم لتشغيل آليات الجمع ويُدخل حاويات محكمة الإغلاق وموادّ تعقيم، إلاّ أنّ الإغلاق المتكرر للمعابر وغياب التمويل يبقي هذه المناشدات معلّقة. المهندس محمد ع.، الذي عمل لسنوات في بلدية غزة الكبرى، يحذّر من «انفجار وبائي وشيك إن لم يصل الوقود خلال أسبوعين. المستشفيات التي أرهقها تدفّق الجرحى لن تقوى على موجة أمراض جرثومية جديدة».
حلول إسعافية: مبادرات وتدابير سريعة
رغم المشهد القاتم، يلوّح مختصو البيئة بحلول إسعافيّة قابلة للتنفيذ: محارق نفايات متنقّلة تعمل بالطاقة الشمسية أو الغاز للتخلص اليومي من عشرات الأطنان؛ إنشاء نقاط تجميع مؤقتة بعيدة عن مراكز الإيواء؛ تجهيز فرق شبابية تطوّعية بملابس واقية لفرز النفايات القابلة للتدوير وتخفيف الضغط عن الشوارع؛ وأخيراً، فتح ممرّ إنساني بيئي عبر معبر كرم أبو سالم بإشراف أممي لإدخال الوقود والآليات أسبوعياً.
خاتمة: البيئة في غزة تحت تهديد مستمر
بين ركام الأبنية وأكياس القمامة السوداء، تتشكّل في غزة كارثة لا تلتقطها عدسات الحرب: كارثةٌ صامتة يتسلّل فيها المرض خلسةً بين الأطفال والشيوخ. إنقاذ القطاع من هذا الخطر لا يقتصر على وقف إطلاق النار، بل يبدأ بشاحنة نفايات وقودها متوفر، وبكمّامة تعزل روائح الموت البطيء عن أنف الحياة التي تُصرّ على البقاء. حماية البيئة اليوم تعني حماية الأرواح غداً؛ أما الصمت، فيخاطر بتحويل رائحة القمامة إلى ذكرى دائمة في ذاكرة المكان.




تعليقات