نسرين موسى
الكاتب: نسرين موسى
بينما تتسابق وكالات الأنباء في بث تفاصيل الأحداث المتلاحقة، يظل قلبي معلقًا بتلك البصيصات الخافتة التي تلوح في الأفق، مبشرة بانتهاء هذا الكابوس المطبق على أرواحنا.
لم تعد تعنيني تلك القوافل الضخمة التي تحمل المساعدات، فالجوع الحقيقي الذي ينهش أرواحنا ليس جوع البطون الخاوية، بل هو جوع الروح المشتاقة للأمان، للسكينة التي غابت عن سمائنا الملبدة بالخوف.
وأي طعام يمكن أن يُقدم تحت سماء كهذه؟ سيغدو حتمًا مرًا، نتجرعه ممزوجًا بمرارة الفقد ولوعة القلق الذي يلازمنا في كل لحظة. كل ما أشتهيه الآن، وكل ما أتوق إليه بقلب دامٍ، هو أن يخف وطأة هذا الألم المبرح الذي يستقر في أذني، ذاك الذي يمزقني كلما ضغطت عليهما بكل قوتي لأحجب صوت الانفجارات الصاعقة التي تهز أركان وجودنا.
أتوق بشدة لانتهاء هذا الارتجاف اللاإرادي الذي يسكن جسدي، ولهذا التمزق الروحي العميق الذي ينهش روحي خوفًا وهلعًا.
اليوم، بينما خطوت نحو نقطة عملنا كصحفيات في رحاب مستشفى ناصر، شعرت بوحدة الطريق القاسية، بوحشة المكان الخالي.
لا سيارات تعبر، ولا حتى تلك “العربة الكارة” المتواضعة التي يجرها حمار، وكأن الحياة نفسها قد أصابها الشلل التام.
أردت أن أشارككم شيئًا من سخريتنا المريرة على هذا العجز الذي نعيشه.
قبل أن أخطو، رفعت يدي إلى السماء في صلاة المضطر، توسلت أن أجد ولو “عربة كارة” بسيطة تقلني، مع يقيني التام بأن السيارة أصبحت حلماً بعيد المنال، ترفًا لا يليق بواقعنا المرير.
لكن للأسف، لم تُستجب دعواتي البسيطة، وسرت على قدمي مسافة ثلاثة كيلومترات، تلك المسافة التي قد تبدو للبعض نزهة صباحية منعشة، لكنها ليست كذلك لجسد أنهكه الخوف وشح الغذاء، جسد يعيش على لون واحد باهت من المعلبات، يفتقر إلى الغذاء الصحي الذي يمنحه القوة والصمود.
لا عليكم هذا العناء، هي مجرد فضفضة قلب مثقل بالأوجاع، قلب يئن تحت وطأة الظروف القاسية.
أتتذكرون من أين أحدثكم؟ نعم، من هنا، من قلب قطاع غزة الذي يئن تحت وطأة الحرب والإبادة والتجويع، حيث يصبح كل يوم معركة شرسة من أجل البقاء، ومن أجل التمسك ببصيص ضئيل من الأمل في غدٍ أفضل.
كاتبة فلسطينية مقيمة في غزة
بينما تتسابق وكالات الأنباء في بث تفاصيل الأحداث المتلاحقة، يظل قلبي معلقًا بتلك البصيصات الخافتة التي تلوح في الأفق، مبشرة بانتهاء هذا الكابوس المطبق على أرواحنا.
لم تعد تعنيني تلك القوافل الضخمة التي تحمل المساعدات، فالجوع الحقيقي الذي ينهش أرواحنا ليس جوع البطون الخاوية، بل هو جوع الروح المشتاقة للأمان، للسكينة التي غابت عن سمائنا الملبدة بالخوف.
وأي طعام يمكن أن يُقدم تحت سماء كهذه؟ سيغدو حتمًا مرًا، نتجرعه ممزوجًا بمرارة الفقد ولوعة القلق الذي يلازمنا في كل لحظة. كل ما أشتهيه الآن، وكل ما أتوق إليه بقلب دامٍ، هو أن يخف وطأة هذا الألم المبرح الذي يستقر في أذني، ذاك الذي يمزقني كلما ضغطت عليهما بكل قوتي لأحجب صوت الانفجارات الصاعقة التي تهز أركان وجودنا.
أتوق بشدة لانتهاء هذا الارتجاف اللاإرادي الذي يسكن جسدي، ولهذا التمزق الروحي العميق الذي ينهش روحي خوفًا وهلعًا.
اليوم، بينما خطوت نحو نقطة عملنا كصحفيات في رحاب مستشفى ناصر، شعرت بوحدة الطريق القاسية، بوحشة المكان الخالي.
لا سيارات تعبر، ولا حتى تلك “العربة الكارة” المتواضعة التي يجرها حمار، وكأن الحياة نفسها قد أصابها الشلل التام.
أردت أن أشارككم شيئًا من سخريتنا المريرة على هذا العجز الذي نعيشه.
قبل أن أخطو، رفعت يدي إلى السماء في صلاة المضطر، توسلت أن أجد ولو “عربة كارة” بسيطة تقلني، مع يقيني التام بأن السيارة أصبحت حلماً بعيد المنال، ترفًا لا يليق بواقعنا المرير.
لكن للأسف، لم تُستجب دعواتي البسيطة، وسرت على قدمي مسافة ثلاثة كيلومترات، تلك المسافة التي قد تبدو للبعض نزهة صباحية منعشة، لكنها ليست كذلك لجسد أنهكه الخوف وشح الغذاء، جسد يعيش على لون واحد باهت من المعلبات، يفتقر إلى الغذاء الصحي الذي يمنحه القوة والصمود.
لا عليكم هذا العناء، هي مجرد فضفضة قلب مثقل بالأوجاع، قلب يئن تحت وطأة الظروف القاسية.
أتتذكرون من أين أحدثكم؟ نعم، من هنا، من قلب قطاع غزة الذي يئن تحت وطأة الحرب والإبادة والتجويع، حيث يصبح كل يوم معركة شرسة من أجل البقاء، ومن أجل التمسك ببصيص ضئيل من الأمل في غدٍ أفضل.
كاتبة فلسطينية مقيمة في غزة