أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

طفولةٌ بلا ضوء: مأساة محمد حجازي تكشف فصول الخطر الصامت لمخلّفات الحرب في غزة




فلسطين24: : منيب سعادة: وسطَ ركامِ المنازلِ في مخيّم جباليا، تتردّدُ صرخةُ طفلٍ فقدَ نورَ عينيه قبل أن يكتملَ ضحكُه. في مطلع مارس/آذار 2025، تحوَّل فضولُ محمد خالد حجازي، ابنُ السابعة، إلى انفجارٍ فجّر معه حقَّه البديهي في رؤية العالم. قذيفةٌ إسرائيليةٌ غيرُ منفجرةٍ التقطها بيديه الصغيرتين فمزّقت عينه اليمنى وتهدّد اليوم عينه اليسرى، لتختزلَ قصته مأساةَ آلاف الأطفال الفلسطينيين الذين يلهون على حافة الموت بين مخلفات الحرب وحطام قطاعٍ صحيٍّ منهار. هذه الحكاية ليست سطرًا عابرًا في سجلّ الانتهاكات، بل شهادةً دامغةً على خطرٍ صامتٍ يقبع تحت تراب غزة، يترصّد حياة أبنائها لحظة افتقادهم لأبسط مقومات الأمان.
غزة- مخيم جباليا (مارس/آذار 2025)
لم تكد الحربُ تهدأ حتى خطف وميضُ انفجارٍ جديد آخر ما تبقّى من نورٍ في عيني الطفل الفلسطيني محمد خالد حجازي (7 سنوات)، بعد أن التقط قذيفةً صغيرة غير منفجرة أمام منزل عائلته شبه المدمَّر شماليّ قطاع غزة. خسارةُ محمد لعينه اليمنى، وتهديد عينه اليسرى بالمصير ذاته، تختزل واقِعاً يعانيه آلاف الأطفال الذين يتربّص بهم خطر المخلَّفات الحربية وسط انهيارٍ شبه كامل للمنظومة الصحية.
مأساة تبدأ بفضول طفل
في مطلع مارس/آذار، كان محمد يلهو مع أقرانه في أزقّة مخيم جباليا حين لفت انتباهه جسمٌ معدني غريب. ثوانٍ قليلة تفصل بين فضولٍ بريء وانفجارٍ مروّع مزّق عينه اليمنى على الفور. يقول الطفل بصوتٍ تغلِّفه الصدمة: «كنت ألعب، أمسكت شيئاً فانفجر في وجهي قنبلة». هرع والده خالد حجازي إلى المكان ليجده مغطّى بالدماء، فحمله مسرعاً إلى مستشفى يفتقر لأدنى التجهيزات.
ورغم تحويله إلى مستشفى ثانٍ، اضطر الأطباء لاستئصال العين اليمنى، فيما تُصارع العين اليسرى مضاعفاتٍ حادّة قد تفضي إلى العمى الكامل إذا لم يُنقَل للعلاج خارج القطاع فوراً. «نحتاج معجزة طبيّة لإنقاذه»، يقول الأب، متوسّلاً منظمة الصحة العالمية وسائر الهيئات الإنسانية لتأمين إجلاء فوري.
خطرٌ يتربّص بالجميع
مأساة محمد ليست حالة فردية؛ فهي نتاجُ انتشار واسع للذخائر غير المنفجرة التي خلّفها جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد توغلاته المتكررة. في قطاع محروم من معدات الكشف والإزالة، تحوّلت القذائف المدفونة إلى ألغامٍ مؤجَّلة تحصد الأرواح أو تخلّف إعاقاتٍ دائمة، فيما يحبس الحصارُ أيّ جهدٍ دولي منظّم لتطهير المناطق المنكوبة.
قطاع صحيّ يلفظ أنفاسه
منذ 7 أكتوبر 2023 دمَّر الاحتلال 38 مستشفى وأخرج 81 مركزاً صحياً عن الخدمة، إضافة إلى 164 منشأة طبية أخرى، وفق بيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة. ومع إغلاق المعابر أمام المساعدات الطبية في 2 مارس 2025، باتت غرف العمليات خالية من الأدوية والتجهيزات، والأطباء محاصرين بمئات الإصابات المعقّدة يومياً.
هذه الانهيارات هي جزءٌ من حصيلةٍ دامية تجاوزت 167 ألف قتيل وجريح و11 ألف مفقود خلال أقل من عامين، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، في وقت تستمر فيه الغارات والحصار بدعمٍ أميركي مفتوح.
صدمةٌ نفسية وحياة معلّقة
فقدان البصر لم يكن الخسارة الوحيدة لمحمد؛ فالطفل المتعلّق بوالده بات يرتعد ليلاً من أصوات القصف، عاجزاً عن اللعب أو الدراسة ولا يبتعد عن والده لحظةً خشيةَ تكرار الكابوس. «أريد أن أراه يعتمد على نفسه ويعود للحياة»، يقول خالد، وهو يعلم أن كل يوم تأخيرٍ قد يُطفئ آخر بقايا الضوء في عين ابنه.
نداءٌ أخير
تقف مأساة محمد حجازي شاهداً حيّاً على الخطر الصامت الذي يتهدّد أكثر من مليوني فلسطيني في غزة جرّاء مخلّفات الحرب، وتفضح العجز الدولي عن حماية الأطفال أو حتى توفير ممرّ آمن لإنقاذ أعينهم. وإلى أن يُسمَح بإجلائه، سيظل محمد أسير ظلامٍ فرضته قنبلةٌ لم تنفجر في وقتها، لكن انفجارها المتأخّر سلبه حقه الطبيعي في رؤية الحياة.






تعليقات