أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

في غزة: الطفولة تُبتَر... لكن الحلم لا ينطفئ

كلارا العوض
كلارا العوض
الكاتب: كلارا العوض
في غزة، منذ تسعة عشر شهراً، لا ينام الأطفال على وسائد محشوة بالأمان، بل على أزيز الطائرات، وهدير الدبابات، وضجيج الصواريخ. يقضون لياليهم على حواف الخوف، تحت أسقف مهددة بالانهيار هنا، الطفولة لا تُقاس بالضحكات أو الألعاب، بل بعدد الأحباب الذين تحوّلوا إلى أشلاء، وعدد الأطراف التي بُترت، والأحلام التي دُفنت تحت الركام.أطفال فقدوا آباءهم وأمهاتهم بلحظة، وبعضهم فقدوا أجزاء من أجسادهم. لحمهم الغض تحوّل وقودًا لنيران العدوان، وملامح وجوههم الصغيرة تغيّرت، طُبعت عليها خيوط حزن لا يمحوها الزمن أطفال يحملون في أعينهم ذاكرة الحرب، وفي قلوبهم ثقل الفقد، وعلى أجسادهم الصغيرة ندوبٌ لا تندمل يستفيق أحدهم على صوت صاروخ F-16، يركض بين الركام باحثًا عن يد أمه، عن صوت أبيه… فلا يجد سوى الحجارة والرماد طفل يحتضن صورة والدته كل ليلة، وآخر يخبّئ حذاء والده تحت وسادته ليشعر أنه ما زال موجودًا هؤلاء ليسوا مجرد ضحايا، بل شهود على جريمة مستمرة. أرواح صغيرة تحاول النجاة في عالم فقد إنسانيته،مدارسهم تحوّلت إلى ملاجئ ومقابر، وكتبهم دُفنت تحت الأنقاض.
تعلّموا العدّ من عدد الغارات، والقراءة من وجوه أمهاتهم المنهكة،يعيشون في بيوت بلا نوافذ، وأحلام بلا سقف يركضون خلف شاحنات المساعدات بدلًا من باصات المدارس.
وفي زوايا الخيام، يخطّون أمنياتهم على ألواح الخشب في غزة، الطفولة لا تُقاس بالعمر، بل بعدد الجراح أطفال بُترت أطرافهم لا لأنهم قاتلوا، بل لأنهم وُجدوا في المكان الخطأ، في التوقيت الأشد قسوة يُسعفون تحت أضواء الهواتف، تُنتزع الشظايا دون مخدر، وتُضمد الجراح بالكلمات. لا مستشفيات تستقبلهم، ولا دواء يسكّن الألم.
هم الناجون… بأجساد مبتورة، وقلوب مثقوبة ينامون على أسرّة من الألم، ويصحو كل منهم على حلم بسيط أن يعود كما كان،في غزة، الأطفال لا يكبرون كما يجب، بل يُنتزعون من طفولتهم قسرًا، ويُزجّ بهم في دوامة الحرب والفقد والمعاناة،ومع ذلك لا تزال عيونهم الصغيرة تشعّ بالأمل، ضحكاتهم الناجية من بين الركام تعلن أن الحياة ممكنة،أطفال غزة ليسوا أرقامًا في نشرات الأخبار، بل بشر من لحم ودم، لهم ضحكاتهم وألعابهم التي سكنت تحت الأنقاض.
إنهم قصة شعب يُولد كل يوم من جديد، يحمل وجع وطن على كتفيه، ويصرّ على الحياة… وسَيَعيش.
غزة 

 

تعليقات