![]() |
د. هناء الخالدي |
بقلم: د. هناء الخالدي
في خضم واحدة من أعنف الحروب التي عرفها التاريخ الحديث، تقف غزة وحيدة في وجه آلة احتلال لا ترحم، تُمارس أبشع الجرائم اليومية بحق الإنسان والحجر، وتفرض على القطاع المحاصر ظروفًا لا يمكن وصفها إلا بأنها جريمة إبادة جماعية. ومع ذلك، فإن الخطر الداخلي لا يقل ضراوة عن العدوان الخارجي، بل يشكّل خيانة موصوفة تتجاوز الصراع السياسي إلى ما هو أخطر: تدمير السلم الأهلي وزعزعة استقرار الجبهة الداخلية.
إن ما نشهده اليوم من سرقات واحتكار وارتفاع مخيف للربا، وظهور جماعات مسلحة تمارس البلطجة وتقطع الطرق على النازحين والمحتاجين، إنما هو خيانة مكتملة الأركان. خيانة يمارسها من يتخذ من حالة الفوضى وسيلة لتعزيز نفوذه على حساب دماء الأبرياء وآلام المنكوبين.
فلتعلم غزة، وليعلم كل مواطن فيها، أن خيانة الوطن لا تكون فقط برفع علم الاحتلال، بل أيضًا حين تُستخدم المساعدات الخارجية لتمويل النزاعات الداخلية، ويُحوَّل الإنسان الجريح إلى ورقة مساومة، ويُحكم على الوطن بأزمات خانقة بسبب فئة امتهنت الفساد والارتزاق وغياب الضمير.
إن المواطن الذي يتأرجح بين فكي الأزمات، ويلجأ للحماية القبلية في ظل غياب القانون والسلطة، لا يفعل ذلك حبًا بالعشيرة، بل هروبًا من واقع باتت الدولة فيه غائبة، والعدالة مجرد حلم بعيد المنال.
إن ظهور سلطة جديدة، وطنية وقوية، تتولى مسؤولية الأمن والإدارة وإعادة بناء المنظومة السياسية والاجتماعية على أسس عادلة، أصبح ضرورة لا تحتمل التأجيل. فالمجموعات التي تستفيد من الفوضى، وإن كانت مؤقتة، إلا أن الأخطر منها هو التغلغل المتزايد للدور القبلي الذي يتعارض مع أسس الدولة المدنية، ويعزز ممارسات الجاهلية حيث يُقدَّم ولاء الدم على ولاء الوطن.
لقد أنتجت الحرب في غزة مظاهر خطيرة: من قطع الطرق، إلى فرض الإتاوات، إلى تعظيم الانتماء العائلي على حساب المصلحة الوطنية. هذه الممارسات تعيد إنتاج "قطاع الطرق" والمرابين، وتحيي ثقافة الثأر و"نصرة ابن القبيلة ظالماً أو مظلوماً"، ما يمثل تهديدًا مباشرًا لأي مشروع وطني جاد لبناء مجتمع مدني متماسك وسلطة تحظى بالاحترام والثقة.
إن استمرار هذا النمط الاجتماعي الجاهلي يعيق إقامة أي سلطة حقيقية، ويعرقل محاولات مواجهة المشروع الصهيوني الذي يراهن على تفكيك المجتمع من الداخل، عبر نشر الكراهية، وتعزيز الانقسامات، وخلق بيئة طاردة للعدالة.
غزة اليوم بأمسّ الحاجة إلى دور وطني فعّال للسلطة الفلسطينية، دور لا يعرف التراخي أو التردد، يعيد الأمور إلى نصابها، ويواجه الفساد والفوضى بقبضة القانون وعدالة الدولة.
لنحارب كل دخيل، ونُسقط كل من يرفع راية "الفهلوة" والبلطجة، ويفتخر بجرأته على سرقة الشعب، ويدّعي بطولات كاذبة على حساب دماء المظلومين. لنُعيد لغزة تراثها الحقيقي من الكرامة والشهامة، لا من الأنانية والمصالح الحزبية الضيقة.
وأخيرًا...
العدل ليس في المكابرة على الهزيمة أو الإصرار على سياسات الفشل، بل في حماية كرامة الناس، وحفظ هيبة المجتمع، وتعزيز وحدة الوطن. غزة رأت ما لم تره مدن الأرض جميعًا، ورغم ذلك لا تزال شامخة تنتظر من يقودها بحكمة ومسؤولية.
لا تفرضوا رؤيتكم الضيقة عليها... لأن غزة أكبر من الجميع.
اللهم صبرًا، وجبرًا، وفرجًا قريبًا.
في خضم واحدة من أعنف الحروب التي عرفها التاريخ الحديث، تقف غزة وحيدة في وجه آلة احتلال لا ترحم، تُمارس أبشع الجرائم اليومية بحق الإنسان والحجر، وتفرض على القطاع المحاصر ظروفًا لا يمكن وصفها إلا بأنها جريمة إبادة جماعية. ومع ذلك، فإن الخطر الداخلي لا يقل ضراوة عن العدوان الخارجي، بل يشكّل خيانة موصوفة تتجاوز الصراع السياسي إلى ما هو أخطر: تدمير السلم الأهلي وزعزعة استقرار الجبهة الداخلية.
إن ما نشهده اليوم من سرقات واحتكار وارتفاع مخيف للربا، وظهور جماعات مسلحة تمارس البلطجة وتقطع الطرق على النازحين والمحتاجين، إنما هو خيانة مكتملة الأركان. خيانة يمارسها من يتخذ من حالة الفوضى وسيلة لتعزيز نفوذه على حساب دماء الأبرياء وآلام المنكوبين.
فلتعلم غزة، وليعلم كل مواطن فيها، أن خيانة الوطن لا تكون فقط برفع علم الاحتلال، بل أيضًا حين تُستخدم المساعدات الخارجية لتمويل النزاعات الداخلية، ويُحوَّل الإنسان الجريح إلى ورقة مساومة، ويُحكم على الوطن بأزمات خانقة بسبب فئة امتهنت الفساد والارتزاق وغياب الضمير.
إن المواطن الذي يتأرجح بين فكي الأزمات، ويلجأ للحماية القبلية في ظل غياب القانون والسلطة، لا يفعل ذلك حبًا بالعشيرة، بل هروبًا من واقع باتت الدولة فيه غائبة، والعدالة مجرد حلم بعيد المنال.
إن ظهور سلطة جديدة، وطنية وقوية، تتولى مسؤولية الأمن والإدارة وإعادة بناء المنظومة السياسية والاجتماعية على أسس عادلة، أصبح ضرورة لا تحتمل التأجيل. فالمجموعات التي تستفيد من الفوضى، وإن كانت مؤقتة، إلا أن الأخطر منها هو التغلغل المتزايد للدور القبلي الذي يتعارض مع أسس الدولة المدنية، ويعزز ممارسات الجاهلية حيث يُقدَّم ولاء الدم على ولاء الوطن.
لقد أنتجت الحرب في غزة مظاهر خطيرة: من قطع الطرق، إلى فرض الإتاوات، إلى تعظيم الانتماء العائلي على حساب المصلحة الوطنية. هذه الممارسات تعيد إنتاج "قطاع الطرق" والمرابين، وتحيي ثقافة الثأر و"نصرة ابن القبيلة ظالماً أو مظلوماً"، ما يمثل تهديدًا مباشرًا لأي مشروع وطني جاد لبناء مجتمع مدني متماسك وسلطة تحظى بالاحترام والثقة.
إن استمرار هذا النمط الاجتماعي الجاهلي يعيق إقامة أي سلطة حقيقية، ويعرقل محاولات مواجهة المشروع الصهيوني الذي يراهن على تفكيك المجتمع من الداخل، عبر نشر الكراهية، وتعزيز الانقسامات، وخلق بيئة طاردة للعدالة.
غزة اليوم بأمسّ الحاجة إلى دور وطني فعّال للسلطة الفلسطينية، دور لا يعرف التراخي أو التردد، يعيد الأمور إلى نصابها، ويواجه الفساد والفوضى بقبضة القانون وعدالة الدولة.
لنحارب كل دخيل، ونُسقط كل من يرفع راية "الفهلوة" والبلطجة، ويفتخر بجرأته على سرقة الشعب، ويدّعي بطولات كاذبة على حساب دماء المظلومين. لنُعيد لغزة تراثها الحقيقي من الكرامة والشهامة، لا من الأنانية والمصالح الحزبية الضيقة.
وأخيرًا...
العدل ليس في المكابرة على الهزيمة أو الإصرار على سياسات الفشل، بل في حماية كرامة الناس، وحفظ هيبة المجتمع، وتعزيز وحدة الوطن. غزة رأت ما لم تره مدن الأرض جميعًا، ورغم ذلك لا تزال شامخة تنتظر من يقودها بحكمة ومسؤولية.
لا تفرضوا رؤيتكم الضيقة عليها... لأن غزة أكبر من الجميع.
اللهم صبرًا، وجبرًا، وفرجًا قريبًا.