أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

امتحانات الثانوية العامة في فلسطين.. صمودٌ تربوي في وجه الأزمات

مهند ياسين

مهند ياسين

الكاتب: مهند ياسين
إن تطوير نظام الثانوية العامة لم يعد خياراً تقنياً، بل ضرورة تربوية وسيادية، تستوجب الانتقال من ثقافة الاختبار إلى ثقافة التعلّم، ومن مركزية الامتحان إلى مركزية الطالب. وذلك من خلال نظام تقويم مرن، وعادل، ومرتبط بالسياق الفلسطيني، ويستلهم من التجارب العالمية روحها لا قالبها، ويجعل من التقييم أداة لتحرير الطاقات لا لحصارها. بهذه الكلمات بدأ ثروت زيد الخبير التربوي حديثه ل القدس بمناسبة انطلاق امتحانات الثانوية العامة”.
وأكد زيد أن طلبة الثانوية العامة في فلسطين يواجهون هذا العام تحديات نفسية وتربوية عميقة بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة. وشدد على أن الامتحان في ظل الاحتلال يتحول من مجرد اختبار أكاديمي إلى فعل وجودي، وأن مسؤولية دعم الطلبة نفسيًا ومعنويًا ولوجستيًا تقع على عاتق الجميع؛ الأسرة، المدرسة، والمجتمع المحلي، داعيًا إلى توفير بيئة آمنة واحتضان الطلبة تربويًا وإنسانيًا.
وبيّن الخبير التربوي أن من أبرز الإجراءات التربوية التي ينبغي اتباعها في هذه الظروف هي توفير الدعم النفسي المستمر والمرونة في التعامل مع الظروف الطارئة، واعتماد نماذج امتحانية بديلة، وتعزيز شراكة حقيقية بين الوزارة والمجتمع المدني لضمان العدالة التربوية. كما أوصى بتطوير مفهوم الامتحان ليكون تجربة إيجابية لا مصدرًا للقلق والضغط، مع ضرورة إرساء ثقافة مجتمعية جديدة ترى في الامتحان فرصة للنمو والتعلم، لا مجرد مقياس للنجاح أو الفشل.
س- كيف تؤثر الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة على أداء طلبة الثانوية العامة؟
امتحان الحياة تحت الاحتلال
في ظل الظروف الأمنية والاقتصادية القاسية التي تعصف بالمجتمع الفلسطيني، لا يُمتحن طلبة الثانوية العامة في الجانب الأكاديمي فحسب، بل يُختبرون على مستوى الوجود نفسه. فالطالب الذي يمرّ عبر الحواجز العسكرية، أو يصحو على صوت اقتحام، لا يدخل قاعة الامتحان بعقل صافٍ فقط، بل بروح مثقلة بالخوف والتوجس، وكأن جلوسه على المقعد ليس فقط لأجل حل أسئلة، بل لإثبات حقه في الحياة، والمعرفة، والكرامة.
هذه الامتحانات تُجرى في سياق ليس محايداً، بل محكوم بمنطق الاحتلال والحرمان، ومع ذلك، فإن إصرار الطلبة على الحضور والمثابرة يعكس عمق الإرادة الجمعية للشعب الفلسطيني في الدفاع عن التعليم كحق وكفعل وجودي. هنا، يتحول الامتحان من اختبار أكاديمي إلى طقس صمود جماعي، وإعلان صامت بأن الفلسطيني، وإن حُرم من الأمان، فلن يُحرَم من الأمل.
وإن كانت وزارة التربية والتعليم تبذل جهداً ملموساً لتأمين بيئة امتحانية مقبولة ضمن حدود الممكن، فإن مسؤولية المجتمع لا ينبغي أن تقف عند حدود المرافقة الشكلية. المطلوب دعم حقيقي، نفسياًومعنوياً ولوجستياً، يُعيد للطالب ثقته بأن الجهد الذي يبذله ليس فردياً معزولاً، بل هو جزء من نسيج مقاوم، يرى في التعليم درباًللتحرر، لا مجرد وسيلة للنجاح.
س- ما أبرز التحديات النفسية في هذه المرحلة؟ وكيف يمكن دعم الطلبة تربوياً؟
في مرحلة الثانوية العامة، لا يُواجه الطالب الفلسطيني مجرد اختبار أكاديمي، بل يُقذف في تجربة شديدة التعقيد، تختلط فيها ضغوط التحصيل الدراسي بتهديدات الواقع الأمني والاقتصادي، لتنتج حالة نفسية مركبة، تحتاج إلى قراءة عميقة وتدخل تربوي حقيقي.
القلق: معركة الطالب الأولى
أولاً: أبرز التحديات النفسية
١- قلق المصير: يمثّل الامتحان مفصلاً حاسماً في مستقبل الطالب، إذ تُبنى عليه فرصه في الالتحاق بالتعليم الجامعي وتحقيق طموحاته المهنية. هذا القلق لا ينبع فقط من الخوف من الفشل، بل من الإحساس بأن الامتحان هو الطريق الوحيد للعبور إلى “النجاة” في واقع يُخنق فيه الأمل.
2. توتر البيئة العامة: يعيش الطالب وسط واقع مضطرب يتسم بالاقتحامات، الحواجز العسكرية، القصف أحياناً، وانعدام الاستقرار. هذه الظروف تُفرغ الطاقة النفسية والعقلية، وتُضعف القدرة على التركيز، وتزيد من احتمالات القلق المزمن والانهيار الانفعالي.
3. الخوف من انقطاع الطريق أو الطوارئ الأمنية: مجرد الذهاب إلى قاعة الامتحان يصبح مغامرة يومية. الطالب لا يعرف إن كان سيصل، أو يتأخر، أو يُحتجز على حاجز، أو يُصاب في اشتباك. وكل ذلك يخلق قلقاً وجودياً يفوق قدرة الطالب على التعامل معه.
4. الإحساس بالعجز واللاعدالة: إذا ما فاته الامتحان بسبب طارئ قسري، يشعر الطالب بأن جهده ضاع، وأن النظام لا يحتضن معاناته. وقد يتولد شعور بالمرارة والخذلان، يؤدي إلى انسحاب داخلي أو انطفاء دافعية التعلم.
5. الخوف من نظرة المجتمع والأسرة: في بيئة تمجّد النجاح وتربط قيمة الفرد بإنجازه الأكاديمي، يعاني الطالب من ضغط مضاعف، ويشعر أن سقوطه ليس فشلاً ذاتياً فحسب، بل “عار جماعي”، ما يفاقم القلق النفسي ويُضعف الثقة بالنفس.
ثانياً: كيف يمكن دعم الطلبة تربوياً؟
الدعم النفسي.. ضرورة لا رفاهية
1. تقديم دعم نفسي منهجي وليس طارئاً: يجب دمج الدعم النفسي داخل العملية التربوية، عبر مرشدين مدرَّبين يتابعون الطلبة قبل وأثناء وبعد الامتحانات، ويعملون على تخفيف التوتر، وبناء آليات التكيّف والصمود النفسي لديهم.
2. تهيئة البيئة الامتحانية كبيئة راعية: على القاعة أن تكون أكثر من مكانٍ لتقديم الامتحان، يجب أن تتحول إلى فضاء إنساني آمن، حيث يشعر الطالب أن المراقب ليس خصماً بل حليفاً، وأن القانون لا يُطبق عليه بحرفيته الجافة، بل بروحه العادلة.
3. تأكيد ضمانات العدالة التعليمية: عبر رسائل رسمية تُطمئن الطلبة أن أي تأخير أو انقطاع قسري لن يُحاسبوا عليه، وأن هناك بدائل وخيارات تحفظ حقهم. فالمبدأ الأساسي هو: لا يُعاقب الطالب على ظرف لم يكن له فيه يد.
4. تربية مجتمعية على التعددية في النجاح: ينبغي توعية الأسر والمجتمع بأن الامتحان ليس نهاية الطريق، وأن النجاح له وجوه متعددة، وأن لكل طالب مساراً مختلفاً يليق به، فلا يُربط مصيره بنتيجة واحدة.
5. تحويل الامتحان من "محكمة" إلى "فرصة": يجب أن يُعاد بناء مفهوم الامتحان في الوعي الجمعي: من كونه لحظة فاصلة للحكم على الطالب، إلى كونه مناسبة لاكتشاف جهده، ورصد طموحه، وتشجيعه على المضي قدماً، لا دفعه إلى حافة اليأس.
6. ضرورة وقف الإشاعات المتعلقة بتسريبات نتائج الطلبة من مراكز تصحيح أوراق الإجابة، لما تسببه من ضغوط نفسية كبيرة على الطلبة، وتأثير سلبي مباشر على أدائهم في بقية الامتحانات.
في ظل كل هذه التحديات، يصبح امتحان الثانوية العامة في فلسطين أكثر من مجرد استحقاق دراسي؛ إنه اختبار للكرامة فيظل الاحتلال، وامتحان لإرادة الاستمرار في واقع يُحاصر المستقبل. ومن هنا، فإن مسؤوليتنا لا تقتصر على توفير ورقة الأسئلة، بل تمتد إلى تأمين المعنى، وإضاءة الطريق أمام الطالب، حتى يشعر أن النظام التعليمي لا يُمتحنه فقط، بل يؤمن به كإنسانٍ يستحق أن يُحتضن في حلمه، لا أن يُعاقب على ضعفه.
س- ما هي أفضل الطرق التي يمكن للأهل والمعلمين اتباعها لتوفير بيئة دراسية وداعمة خلال الامتحان؟
دور الأسرة: الاحتضان قبل النتيجة
مع اقتراب امتحان الثانوية العامة، لا يكون التحدي في ورقة الأسئلة وحدها، بل في البيئة النفسية والاجتماعية التي تُحيط بالطالب وتؤثر في استقراره وطاقته. وفي مثل هذه المرحلة المفصلية، تتحوّل العلاقة بين الطالب وأهله ومعلميه من مجرد تفاعل اعتيادي، إلى دور تشاركي عميق في رعاية الإنسان الممتحن، لا فقط دعم المتقدّم للاختبار.
أولاً: دور الأسرة – بيئة الراحة والانتماء: 
ا- الهدوء العاطفي لا الضغط النفسي: على الأسرة أن تكون ملاذاً، لا محطة تقييم إضافية. فالمطلوب ليس حث الطالب على الحفظ في اللحظات الأخيرة، بل احتضانه نفسياً، وطمأنته أنه أهم من النتيجة، وأن قيمته لا تختزل في علامة، بل في مثابرته وشجاعته.
ب- التواصل الوجداني البسيط والعميق: عبارات مثل: "نحن فخورون بك، كن مطمئناً، سلامتك أولويتنا"، لها أثر بالغ في تخفيف القلق. ليس المطلوب خطاباً مطولاً، بل لحظات قصيرة حقيقية تبثّ الأمان والانتماء، وتمنح الطالب شعوراً بأن هناك من يحرس روحه، لا فقط يراقب أداؤه.
ت- تقليل التوتر غير الضروري: الحديث المستمر عن الامتحان، ومقارنته بالآخرين، والقلق المفرط على النتائج، كلها عوامل تُنهك الطالب. الأفضل أن تُقدَّم له لحظات من الحياة الطبيعية: فنجان شاي بهدوء، دعاء دون توتر، أو جلسة صامتة مليئة بالقبول.
قاعة الامتحان: من التوتر إلى الطمأنينة
ثانياً: دور المعلمين والمراقبين – قدوة تربوية داخل القاعة
ا- اللغة المهنية الحانية: داخل قاعة الامتحان، الكلمة البسيطة والنبرة الهادئة والسلوك الإنساني تصنع فرقاً نفسياً هائلاً. عندما يُعامل الطالب باحترام، ويُرحب به، ويُمنح فرصة للاستفسار دون تجهّم، يشعر أن المؤسسة التربوية تقف بجانبه، لا فوقه.
ب- التهيئة النفسية لا الصمت البارد: المراقب ليس فقط حارساًللورقة، بل راعٍ للحالة العامة. ابتسامة مشجعة، تأكيد أن الجميع هنا لأجل إنجاح التجربة، إشارات غير لفظية تُشعر الطالب بالاطمئنان... كل هذا يُحول الامتحان من لحظة توتر إلى فرصة للتركيز.
ت- العدالة المطمئنة: على المعلمين أن يوازنوا بين الانضباط والإنسانية؛ أن يحترموا التعليمات الرسمية، لكن دون قسوة زائدة أو صرامة شكلية، فالمقصد ليس فرض النظام وحسب، بل رعاية التجربة الامتحانية كحق تعليمي وإنساني.
يجب أن يشعر الطالب أنه ليس وحده، وأن الجميع إلى جانبه، لا فقط لنجاحه، بل لحمايته وتعزيز ثقته بمكانه في الوطن ومستقبله. فالتربية في لحظة الامتحان تتحوّل من تدريس إلى رعاية، ومن مراقبة إلى احتضان، حيث يرى الطالب في من حوله شهوداً على نضجه، لا حراساً لأخطائه.
س- كيف تُقيَّم جاهزية وزارة التربية والتعليم في ظل هذه الظروف؟
جاهزية الوزارة بين الواقع والتحديات
في سياق أمني متقلب واقتصادي هشّ، وفي ظل انقطاعات متكررة في الحياة التعليمية الاعتيادية، تُعدّ وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أمام امتحان مزدوج: إدارة العملية الامتحانية بصرامة مؤسسية، دون التفريط بالبعد الإنساني. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الوزارة أظهرت مستوىً عالٍ من الالتزام البنيوي والمهني في إدارة امتحانات الثانوية العامة، ويتجلّى ذلك في:
ا- ضمان الاستمرارية رغم التحديات: من خلال الحفاظ على انتظام الامتحانات في مواعيدها، وتوفير إشراف تربوي مدرّب في مئات القاعات، في الجغرافيا الفلسطينية المتشظية سياسياً واجتماعياً.
ب- التعليمات الاستثنائية المرنة: حيث تم اعتماد سياسات تراعي الظرف الطارئ، بما في ذلك التعامل مع الحالات المرضية أو الأمنية القسرية، وعدم محاسبة الطالب على ظروف خارجة عن إرادته.
ت- الخطاب العام المتزن: عبر إصدار بيانات رسمية تؤكد على تكافؤ الفرص والعدالة التربوية، مما يساعد على تخفيف الهواجس الشعبية وضبط الإشاعات التي ترافق عادة موسم الامتحانات.
لكن، تبقى الجاهزية الميدانية بحاجة إلى تطوير خلاق يتجاوز النمط التقليدي، ويشمل:
ا- شراكات أفقية مع المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية: تحويل إدارة الامتحانات من "مهمة مركزية عمودية" إلى "منظومة استجابة أفقية تشاركية"، من خلال إشراك مؤسسات المجتمع المدني، والمجالس المحلية، والفرق الشبابية التطوعية، في عمليات: تأمين وصول الطلبة في المناطق الساخنة. وتقديم الدعم النفسي الميداني للطلبة. والتبليغ الفوري عن الحوادث الميدانية 
ب- . إنشاء "غرف طوارئ تربوية مجتمعية" في كل محافظة: لا تقتصر غرف الطوارئ على موظفي الوزارة، بل يُفتح خط مباشر يضم: ممثلين عن التربية، وقوى المجتمع المحلي، أولياء أمور فاعلين، متطوعين تربويين ميدانيين، وذلك بهدف إنشاء نظام استجابة لحظيّ يتيح التعامل مع:تأخّر الطلبة، حدوث إطلاق نار أو حصار في منطقة معينة، نقل الطوارئ الطبية أو النفسية.
ت- إطلاق حملة إعلامية وطنية ممنهجة: تشكيل خلية إعلامية داخل الوزارة تكون مسؤولة عن: بث رسائل طمأنة يومية للطلبة والأهالي، تقديم محتوى توعوي عن حقوق الطلبة أثناء الامتحان، والرد على الإشاعات بحزم وشفافية وتغطية إنسانية لقصص نجاح الطلبة في المناطق المهمشة لتعزيز الأمل.
ث- إصدار "نشرة بدائل استباقية" للطلبة المتأثرين بالأوضاع الأمنية: قبل بدء الامتحانات، تصدر الوزارة وثيقة واضحة توضّح: ما الإجراء في حال عدم وصول الطالب بسبب الإغلاق أو القصف؟ وهل سيتم تأجيل الامتحان؟ ما هو موعد الإعادة؟ كيف يُوثق السبب؟ ما هي قنوات الاتصال والإبلاغ المعتمدة؟ هذه النشرة تمنح الطالب شعوراً بالأمان المؤسسي، وتقلل من القلق المرتبط بـ"المجهول".
جاهزية الوزارة تُقاس بقدرتها على حماية الطالب كإنسان، لا بإدارة القاعة فقط. فالامتحان في فلسطين ليس إجراءً أكاديمياً فحسب، بل مشهد تربوي سيادي، وكلما صار الامتحان تجربة ينتمي لها الطالب لا عبئاً يُفرض عليه، اقتربنا من تربية تحررية حقيقية.
س- التوصيات التربوية للطلبة وأولياء الأمور في لحظة الامتحان:
في لحظة تمتزج فيها المعرفة بالخوف، والأمل بالتوجّس، يتحوّل الامتحان من مجرد اختبار تحصيلي إلى مرآة تعكس عمق التجربة الفلسطينية في الإصرار على الحياة رغم القهر. لذا، فإن التوصيات التربوية في هذا الظرف ليست مجرد تعليمات تقنية، بل هي كلمات مرافقة، وتدخلات إنسانية، ووصايا مفعمة بالمعنى.
أولاً: للطلبة – أنتم أكثر من مجرّد مجيبين على الأسئلة:
ا- افصلوا أنفسكم عن الضجيج الخارجي، واستمعوا لصوتكم الداخلي: في زمن تختلط فيه الأخبار العاجلة بالقلق الشخصي، اجعلوا من لحظة الامتحان فسحة تركيز. أنتم لستم وحدكم، فكل فلسطيني واعٍ يرى فيكم نواة الوطن المتجددة.
ب- تذكّروا: أن وصولكم إلى قاعة الامتحان في حد ذاته فعل انتصار: في بيئة يُعرقل فيها الوصول، ويُقنص فيها الحلم، يكفي أنكم حاضرون، بكامل عزيمتكم، لتكونوا شهوداً على المعنى العميق للتعليم المقاوم.
ت- تنفسوا بين كل سؤال وآخر. خذوا وقتاً لإعادة تمركز أنفسكم: لا تحوّلوا الامتحان إلى سباق. بل إلى سير متزن نحو التعبير عمّا تعلمتم، دون قسوة داخلية أو تسلّط ذاتي.

ث- لا تُحمّلوا أنفسكم أكثر من طاقتكم: أنتم طلاب، ولستم جنوداًفي معركة الإجابات النموذجية. أنتم بشر، ولكم الحق في الخطأ، والتعب، والتأخر، وفي الحلم دوماً.

ثانياً: لأولياء الأمور – لُطفكم الآن أهم من دعمكم المعرفي

ا- ابنكم لا يحتاج الآن إلى المزيد من الأسئلة، بل إلى شعورٍ عميق بأنه محبوب ومقبول كما هو.

أخبروه: "سلامتك النفسية أولويتنا. نجاحك لا يُقاس بدرجة، بل بسلامك وثقتك."
ب- خففوا من المبالغة في التوقعات والمقارنات، ففي كل بيت قصة مختلفة، وفي كل طالب قدرٌ خاص. ولا يجوز أن يُقاس الجميع بمسطرة واحدة.
ت- اجعلوا البيت مساحة آمنة، لا قاعة امتحان موازية: راعوا الإضاءة، مستوى الضجيج، توقيت الوجبات، ساعات النوم، وتقديم الدعم الانفعالي البسيط: لمسة يد، كوب شاي، كلمة طيبة.
ثالثاً: للمجتمع المحلي – مسؤوليتكم ليست هامشية، بل محورية
ا- افتحوا المراكز المجتمعية والبلدية كملاذات طارئة للطلبة. في بعض المناطق، قد يُحاصر الطالب بين حاجز واشتباك، فيحتاج إلى مأوى مؤقت، أو مكان يستعيد فيه أنفاسه.
ب- نظّموا فرقاً شبابية تطوعية لمرافقة الطلبة من وإلى مراكز الامتحان. الأمان ليس مسألة شخصية، بل مسؤولية مجتمعية، لا سيما في المناطق الساخنة والريفية أو الحدودية.
ت- وفّروا دعماً نفسياً سريعاً عبر مستشارين محليين أو متطوعين مختصين. أحياناً يحتاج الطالب إلى كلمات قليلة من شخص غريب، ليشعر بأنه ما زال في دائرة الحماية.
فلنكن جميعاً – كأهالي، ومعلمين، ومجتمع – أسرة واحدة تحرس الحلم، وتؤمن أن المعرفة في فلسطين ليست رفاهاً، بل حقٌ مقدّس، وسلاحٌ ناعم في وجه الباطل.
س- ما الإجراءات التربوية البديلة التي يمكن اعتمادها في حال حدوث خلل في سير الامتحان؟
الامتحان ليس غاية، بل وسيلة لقياس التعلم في بيئة عادلة. وعند حدوث ظروف قهرية، تقتضي العدالة التربوية التحول من التقييم الجامد إلى نهج مرن يصون كرامة الطالب، خاصة في السياق الفلسطيني حيث يتداخل التربوي بالسياسي، ويتطلب الأمر حكمة إدارية وشجاعة تربوية.
أولاً: مقترحات بديلة تربوية عند الخلل المفاجئ
ا- جلسات امتحان بديلة استثنائية بتنسيق لامركزي: تُفعل لجان طوارئ تربوية على مستوى المديريات بحيث يُمنح الطالب المتأثر فرصة تقديم امتحان بديل في أقرب وقت ممكن، ما يحفاظ على تتابع الذاكرة التعليمية، وتجنب تراكم الضغط على الطالب.
ب- نماذج امتحانية مكافئة مُعتمدة مسبقاً: تقوم الوزارة بإعداد نماذج امتحانات "موازية" لكل مبحث، محكّمة مسبقاً، يتم استخدامها في حال تكرار الخلل، دون المساس بمصداقية التقييم، ليست إعادة الامتحان هي المشكلة، بل التكرار دون إنصاف أو إشعار بالثقة.
ت- إشراك الجهات الحقوقية في التوثيق والمتابعة: توقيع بروتوكولات تعاون مع مراكز حقوق الإنسان لضمان توثيق كل حالة منع أو تأخير قسري، بحيث يُعد ذلك مستنداً تربوياًوإنسانياً يعفي الطالب من أي مساءلة ويُحيله إلى آلية بديلة منصفة.
ثانياً: مراجعة التعليمات التربوية – من الحصار إلى الاحتواء
إعادة التفكير في "دورات الامتحان" وتوسيع شروط النجاح: التعليمات الحالية تفترض انتظاماً لا يتوافق مع الواقع الميداني الفلسطيني، لذا ربما من المناسب الاتي: 
ا- السماح بدورات امتحانية أكثر مرونة.
ب- الاعتراف بـالنجاح التراكمي كفكرة تربوية؛ أي اعتبار رحلة الطالب بأكملها في التقييم، لا لحظة الامتحان.
ت- السماح بإعادة المباحث في الدورات المتتالية.
ث- إدراج معيار "ظرف قهري مثبت" كمدخل لإعادة التقييم، لا سبباً للحرمان.
ثالثاً: أفكار يمكن تطويرها مستقبلاً
ا- نظام "الامتحان المتنقل" في المناطق الساخنة: من خلال وحدات متنقلة مُجهزة ومؤمنة بالشراكة مع المؤسسات المجتمعية، تصل إلى الطالب عند تعذر وصوله إلى القاعة، فإن لم يستطع الطالب الذهاب إلى المعرفة، فلنذهب بالمعرفة إليه.
ب- إطلاق منصة رقمية طارئة للإبلاغ التربوي: منصة مؤمّنة تمكّن الطالب أو ولي الأمر من الإبلاغ اللحظي عن أي طارئ يمنع الطالب من الوصول، مرفقاً بتفاصيل توثيقية، تكون هذه المنصة قناة رسمية بديلة عن انتظار الإجراءات الورقية.
إن جوهر العدالة التربوية لا يكمن في صلابة القوانين، بل في مرونة الرحمة واتزان النظام. والتعليم الفلسطيني، كي يكون حقاً تحررياً، لا بد أن يكون نظاماً يراعي كرامة المتعلم لا فقط إخلاصه في الحلّ.
س- كيف نرى دور المجتمع المحلي ومؤسسات المجتمع المدني في هذه المرحلة؟
شراكة المجتمع.. حماية ومسؤولية
في لحظة فارقة مثل امتحانات الثانوية العامة، لا يُعقل أن يُترك الطالب الفلسطيني وحيداً في مواجهة الخطر، أو في مهبّ التوتر والقلق، وكأن الامتحان شأن فردي أو وزاري فحسب. بل هو شأن مجتمعي بامتياز، لأن كل ورقة امتحان هي اختبار للضمير الجمعي، ومؤشر على عمق التفاعل بين الدولة والمجتمع. وهنا، لا يمكن اختزال دور المجتمع المحلي ومؤسسات المجتمع المدني في عبارات تشجيعية أو مشاركات رمزية، بل المطلوب هو شراكة فاعلة قائمة على الفعل والتأثير والاستباق.
أولاً: ملامح الدور المنشود – من المشاركة الرمزية إلى الشراكة الحقيقية
ا- الحماية اللوجستية: تأمين الوصول في زمن الحصار: في المناطق التي تشهد اقتحامات أو توترات أو إغلاق مداخل، على المجتمع المحلي أن ينظم خطوط مواصلات آمنة للطلبة، بالشراكة مع الهيئات المحلية والمجالس القروية، وبتنسيق كامل مع وزارة التربية، وفي بعض الحالات، يكون الوصول إلى القاعة إنقاذاً، لا تنقّلاً عادياً، وهذا يتطلب جاهزية تشبه إدارة الأزمات لا التسيير اليومي.
ب- الدعم النفسي – الرعاية لا الرثاء: المؤسسات الأهلية والتربوية مدعوّة لتخصيص مرشدين نفسيين متطوعينيتواجدون في نقاط قريبة من مراكز الامتحان، أو يُتاحون عبر خطوط اتصال مباشرة مع الطلبة المتوترين، إذ ليس المطلوب إنشاء بنية علاجية شاملة، بل توفير استجابات حسّاسة وسريعة تمكّن الطالب من استعادة توازنه النفسي قبل أو بعد الامتحان.
ت- الحملات الإعلامية الواعية – امتحان للحياة لا للرُهاب: أدوار المجتمع المدني تشمل إطلاق حملات إعلامية تنقل رسالة مضادة للرعب الامتحاني: مثل ( "التوجيهي ليس فخاً، بل جسر؛ ليس عقاباً، بل فرصة؛ ليس نهاية، بل استئناف للحياة) مع أن تُظهر الرسائل أن المجتمع لا يرى الطالب فقط "متقدماً للامتحان"، بل "كائناً يستحق الاحترام في لحظة هشاشته"، وأن العلامة ليست القيمة، بل التجربة الكاملة للطالب هي ما يُكرَّم عليه.
ثانياً: مقترحات لتعظيم الدور المجتمعي
ا- مراكز الطمأنينة المجتمعية: مراكز أهلية في الأحياء والقرى، تُفتح في أيام الامتحان لاستقبال الطلبة قبل التوجه إلى القاعات، تقدّم وجبة خفيفة، مساحة للسكينة، وكلمة طيبة من شخص بالغ محترم، تشبه لحظة عناق تربوي قبل الدخول إلى لحظة الحسم.
ب- فرق استجابة سريعة محلية: متطوعون ينسّقون مع المدارس والمديريات لتقديم استجابات فورية لأي حدث طارئ (انقطاع طريق، حاجة لنقل عاجل، دعم نفسي)، تكون بمثابة مظلة مدنية تحاكي أدوات الحماية في الدول التي تحترم حق التعلم زمن الكوارث.
ت- مساندة وزارة التربية والتعليم في تطوير نظام التقويم التربوي وامتحان الثانوية العامة، بما ينسجم مع المعايير التربوية العالمية الرصينة، من خلال استلهام التجارب الدولية الناجحة لا استنساخها، ومواءمتها بوعي مع الخصوصية الثقافية والوطنية والسياقية الفلسطينية، وبما يحقق العدالة التعليمية ويعزز من أدوار التعلّم لا اختزالها في الاختبار.
عندما نقول إن المجتمع المحلي شريك، فإننا نعني أن التربوي لا ينجح بدون الإنساني، وأن الدولة لا تكتمل بدون الحاضنة الأخلاقية والاجتماعية، وورقة الامتحان وثيقة إثبات بأننا – رغم الحصار – ما زلنا نؤمن بالحياة، ونُربّي أبناءنا على أن يكونوا أحراراً، حتى وهم يجيبون تحت القصف.
تعليقات