فلسطين 24 – غزة
في أحد أركان غزة المنهكة بالحرب والحرمان، وبين ركام المنازل وأصوات الطائرات، بزغ نور صغير حمل اسم "أمل في مكان هادئ". مبادرة شبابية وُلدت من قلب الحاجة، ونشأت في ظل انعدام كل مقومات الدراسة الطبيعية، فكانت مساحة استثنائية تشبه الحلم، يحتضن فيها الطلبة أقلامهم وكتبهم، بحثًا عن مستقبل يصنعونه رغم الدمار المحيط.
محمد الشريف، مدير المبادرة، تحدّث لـ "فلسطين 24" عن ولادة الفكرة، موضحًا أن الأمر بدأ من معاناة واقعية عاشها آلاف الطلبة في مختلف أنحاء غزة. كثيرون لم يستطيعوا الدراسة في منازلهم بفعل انقطاع الكهرباء، وغياب الإنترنت، وانعدام أي شكل من أشكال الهدوء، الأمر الذي جعل التفكير في الامتحانات أو الدراسة شبه مستحيل. من هنا، تساءل فريق من الشباب: لماذا لا نخلق مساحة بديلة، آمنة، ولو بسيطة، تساعد الطلبة على مواصلة تعليمهم في ظل هذه الظروف؟ هكذا بدأت المبادرة، وتحولت إلى ملاذ صامت يشبه المدرسة، ولكن بروح الطوارئ والتحدي.
البيئة التي تم توفيرها كانت متواضعة في ظاهرها، لكنها دافئة في جوهرها. استعان الفريق بطاولات وكراسي تم جمعها من مؤسسات تعليمية تضررت خلال الحرب، واعتمدوا على الإضاءة الشمسية نظرًا لانقطاع الكهرباء، ووفروا إنترنتًا عبر أجهزة محمولة، وعملوا على طلاء الجدران بلون أبيض مريح لتخفيف الشعور بالكآبة والانهيار. على الرغم من قلة الموارد، إلا أن المكان تحوّل إلى مركز صغير يقصده الطلبة يوميًا، من مختلف المراحل الدراسية، خاصة طلبة الثانوية العامة والجامعات، الذين يستعدون لامتحانات مصيرية وحاسمة في حياتهم الأكاديمية.
الطالبة سارة أبو موسى وصفت تجربتها داخل المبادرة بأنها نقطة تحول، وقالت إنها كانت تدرس في خيمة على ضوء شمعة، تعاني من الانقطاع الذهني وفقدان التركيز، لكنها وجدت في "أمل في مكان هادئ" استعادة للهدوء والاتزان، مما ساعدها على تنظيم وقتها ومتابعة دروسها. أما محمود عويضة، طالب الطب، فقال إن المبادرة أنقذته من قرار تأجيل الدراسة، بعد أن فقد بيته وأدواته الدراسية. وجد في هذه المساحة بديلًا يساعده على مواصلة طريقه الأكاديمي رغم كل ما فقده.
المبادرة تأسست بجهود تطوعية خالصة، دون أي تمويل خارجي أو دعم رسمي. اعتمد الفريق على تبرعات محلية بسيطة، بعضها عيني، كالكراسي والطاولات، وبعضها مادي وصل من مغتربين فلسطينيين بطرق فردية. دعم أصحاب ورش محلية ومكتبات أهلية لعب دورًا في توفير جزء من المستلزمات، كما ساهم المجتمع المحلي بروح إيجابية وتشجيع واضح لأبنائه من الطلبة للالتحاق بهذه المساحة.
لكن "أمل في مكان هادئ" لم تكن فقط مكانًا للدراسة، بل تحولت إلى مساحة آمنة نفسيًا أيضًا. إذ نظم القائمون عليها لقاءات حوارية بين الطلبة لتبادل التجارب والاحتياجات، وأدار متطوعون مختصون جلسات دعم نفسي ساعدت الطلبة على تجاوز القلق والانهيار. كما تم توفير بعض المشروبات، ونسخ إلكترونية وورقية من الكتب والملازم، إضافة إلى حواسيب متنقلة يُعيرها الفريق لمن يحتاجها من الطلبة خلال فترة وجوده في المكان.
رغم النجاح الملحوظ، تواجه المبادرة تحديات كبيرة. أبرز هذه التحديات هو غياب التمويل المستقر، وارتفاع عدد الطلبة مقارنة بمساحة المكان، بالإضافة إلى صعوبة الحركة أحيانًا بسبب الأوضاع الأمنية في المنطقة. ومع ذلك، يصرّ القائمون على استمرار العمل، ويؤكد محمد الشريف أن الفريق سيواصل العمل ما دام هناك طالب يحمل قلمًا ويحلم بالتغيير، فالمعركة ليست فقط على الأرض، بل في العقل أيضًا.
المبادرة تحاول اليوم أن تتوسع، وأن تصل إلى مناطق نائية داخل غزة لا تزال محرومة من أي مساحات آمنة للدراسة. يقول الشريف إن كل خيمة يمكن أن تتحول إلى فصل دراسي إذا توافرت الإرادة، وإن المعرفة لا تحتاج إلى جدران فارهة بل إلى عقول مؤمنة بأن التغيير ممكن. يرى أن هذا الجهد رغم بساطته قد يكون بذرة لمشاريع أوسع في المستقبل، وأن فلسطين، رغم الجراح، قادرة على إعادة بناء ذاتها بسواعد أبنائها.
"أمل في مكان هادئ" ليست فقط مبادرة تعليمية، بل رسالة حياة. إنها صرخة في وجه الحصار، تقول إن الطالب الفلسطيني لا يستسلم، وإن المعرفة لا تُقصف، وإن الإنسان في غزة قادر على إنتاج الضوء من قلب الظلام. هي مساحة بسيطة لكنها تختزن المعنى الكامل للصمود، تمامًا كما تختزن غزة جراحها وأحلامها في آنٍ واحد.
في أحد أركان غزة المنهكة بالحرب والحرمان، وبين ركام المنازل وأصوات الطائرات، بزغ نور صغير حمل اسم "أمل في مكان هادئ". مبادرة شبابية وُلدت من قلب الحاجة، ونشأت في ظل انعدام كل مقومات الدراسة الطبيعية، فكانت مساحة استثنائية تشبه الحلم، يحتضن فيها الطلبة أقلامهم وكتبهم، بحثًا عن مستقبل يصنعونه رغم الدمار المحيط.
محمد الشريف، مدير المبادرة، تحدّث لـ "فلسطين 24" عن ولادة الفكرة، موضحًا أن الأمر بدأ من معاناة واقعية عاشها آلاف الطلبة في مختلف أنحاء غزة. كثيرون لم يستطيعوا الدراسة في منازلهم بفعل انقطاع الكهرباء، وغياب الإنترنت، وانعدام أي شكل من أشكال الهدوء، الأمر الذي جعل التفكير في الامتحانات أو الدراسة شبه مستحيل. من هنا، تساءل فريق من الشباب: لماذا لا نخلق مساحة بديلة، آمنة، ولو بسيطة، تساعد الطلبة على مواصلة تعليمهم في ظل هذه الظروف؟ هكذا بدأت المبادرة، وتحولت إلى ملاذ صامت يشبه المدرسة، ولكن بروح الطوارئ والتحدي.
البيئة التي تم توفيرها كانت متواضعة في ظاهرها، لكنها دافئة في جوهرها. استعان الفريق بطاولات وكراسي تم جمعها من مؤسسات تعليمية تضررت خلال الحرب، واعتمدوا على الإضاءة الشمسية نظرًا لانقطاع الكهرباء، ووفروا إنترنتًا عبر أجهزة محمولة، وعملوا على طلاء الجدران بلون أبيض مريح لتخفيف الشعور بالكآبة والانهيار. على الرغم من قلة الموارد، إلا أن المكان تحوّل إلى مركز صغير يقصده الطلبة يوميًا، من مختلف المراحل الدراسية، خاصة طلبة الثانوية العامة والجامعات، الذين يستعدون لامتحانات مصيرية وحاسمة في حياتهم الأكاديمية.
الطالبة سارة أبو موسى وصفت تجربتها داخل المبادرة بأنها نقطة تحول، وقالت إنها كانت تدرس في خيمة على ضوء شمعة، تعاني من الانقطاع الذهني وفقدان التركيز، لكنها وجدت في "أمل في مكان هادئ" استعادة للهدوء والاتزان، مما ساعدها على تنظيم وقتها ومتابعة دروسها. أما محمود عويضة، طالب الطب، فقال إن المبادرة أنقذته من قرار تأجيل الدراسة، بعد أن فقد بيته وأدواته الدراسية. وجد في هذه المساحة بديلًا يساعده على مواصلة طريقه الأكاديمي رغم كل ما فقده.
المبادرة تأسست بجهود تطوعية خالصة، دون أي تمويل خارجي أو دعم رسمي. اعتمد الفريق على تبرعات محلية بسيطة، بعضها عيني، كالكراسي والطاولات، وبعضها مادي وصل من مغتربين فلسطينيين بطرق فردية. دعم أصحاب ورش محلية ومكتبات أهلية لعب دورًا في توفير جزء من المستلزمات، كما ساهم المجتمع المحلي بروح إيجابية وتشجيع واضح لأبنائه من الطلبة للالتحاق بهذه المساحة.
لكن "أمل في مكان هادئ" لم تكن فقط مكانًا للدراسة، بل تحولت إلى مساحة آمنة نفسيًا أيضًا. إذ نظم القائمون عليها لقاءات حوارية بين الطلبة لتبادل التجارب والاحتياجات، وأدار متطوعون مختصون جلسات دعم نفسي ساعدت الطلبة على تجاوز القلق والانهيار. كما تم توفير بعض المشروبات، ونسخ إلكترونية وورقية من الكتب والملازم، إضافة إلى حواسيب متنقلة يُعيرها الفريق لمن يحتاجها من الطلبة خلال فترة وجوده في المكان.
رغم النجاح الملحوظ، تواجه المبادرة تحديات كبيرة. أبرز هذه التحديات هو غياب التمويل المستقر، وارتفاع عدد الطلبة مقارنة بمساحة المكان، بالإضافة إلى صعوبة الحركة أحيانًا بسبب الأوضاع الأمنية في المنطقة. ومع ذلك، يصرّ القائمون على استمرار العمل، ويؤكد محمد الشريف أن الفريق سيواصل العمل ما دام هناك طالب يحمل قلمًا ويحلم بالتغيير، فالمعركة ليست فقط على الأرض، بل في العقل أيضًا.
المبادرة تحاول اليوم أن تتوسع، وأن تصل إلى مناطق نائية داخل غزة لا تزال محرومة من أي مساحات آمنة للدراسة. يقول الشريف إن كل خيمة يمكن أن تتحول إلى فصل دراسي إذا توافرت الإرادة، وإن المعرفة لا تحتاج إلى جدران فارهة بل إلى عقول مؤمنة بأن التغيير ممكن. يرى أن هذا الجهد رغم بساطته قد يكون بذرة لمشاريع أوسع في المستقبل، وأن فلسطين، رغم الجراح، قادرة على إعادة بناء ذاتها بسواعد أبنائها.
"أمل في مكان هادئ" ليست فقط مبادرة تعليمية، بل رسالة حياة. إنها صرخة في وجه الحصار، تقول إن الطالب الفلسطيني لا يستسلم، وإن المعرفة لا تُقصف، وإن الإنسان في غزة قادر على إنتاج الضوء من قلب الظلام. هي مساحة بسيطة لكنها تختزن المعنى الكامل للصمود، تمامًا كما تختزن غزة جراحها وأحلامها في آنٍ واحد.