أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

مخدرات في المساعدات.. حلقة جديدة من "الإبادة الصامتة"


فلسطين24: في تطور صادم يُضاف إلى سلسلة الانتهاكات المتواصلة بحق المدنيين في قطاع غزة، كُشف مؤخرًا عن وجود حبوب مخدرة داخل أكياس طحين وصلت ضمن شحنات مساعدات إنسانية موجهة إلى سكان القطاع المنكوب. ويأتي هذا الاكتشاف في وقت يرزح فيه أكثر من مليوني فلسطيني تحت حصار خانق وإبادة ممنهجة منذ ما يقارب 21 شهرًا، في ظل أوضاع معيشية وصحية متدهورة. 
الحادثة، التي أثارت جدلًا واسعًا داخل الأوساط الأكاديمية والسياسية والإعلامية، تُعد مؤشراً خطيراً على تحول المساعدات الإنسانية إلى أدوات قاتلة تُستخدم لتفكيك المجتمع الفلسطيني من الداخل تحت غطاء الإغاثة، وهو ما وصفه مراقبون بـ"الإبادة الصامتة".
جريمة متعددة الأبعاد 
الدكتورة دلال عريقات، أستاذة الدبلوماسية وحل النزاعات في الجامعة العربية الأمريكية، وصفت الحادثة بأنها "أكثر من مجرد انتهاك عابر"، معتبرة أن إدخال حبوب مخدرة ضمن شحنات الغذاء "يعكس بشاعة الإرهاب الإسرائيلي وتماديه في توظيف أساليب تتجاوز حدود الخيال البشري". 
وتضيف عريقات أن الاحتلال الإسرائيلي، الذي يستخدم الحصار والتجويع كسلاح حرب، لجأ الآن إلى استخدام المواد الغذائية – تحديدًا الطحين – كوسيلة لنشر الإدمان داخل المجتمع الفلسطيني، في محاولة لتقويض صمود سكان غزة وتفكيكهم من الداخل. 
وتطالب عريقات بتشكيل آلية رقابة دولية مستقلة لفحص المواد الغذائية قبل دخولها إلى غزة، مؤكدة أن غياب المساءلة الدولية يشجع الاحتلال على التمادي في جرائمه بحق المدنيين.
حرب نفسية موجهة ضد المجتمع 
من جهته، يؤكد المحلل السياسي نهاد أبو غوش أن هذه الجريمة تُعد حلقة في سلسلة طويلة من السياسات الإسرائيلية التي تهدف إلى تحطيم الروح المعنوية للفلسطينيين. ويشير إلى أن الاحتلال لم ينجح في فرض بدائل سياسية محلية موالية له في غزة، فلجأ إلى التعاون مع مجموعات جنائية لإدارة توزيع المساعدات، الأمر الذي تسبّب سابقًا في مقتل أكثر من 500 فلسطيني في طوابير المساعدات. 
ويذهب أبو غوش إلى أن إدخال حبوب مخدرة قد يكون موجهاً لتلك العصابات كأداة سيطرة أو مكافأة، وربما كوسيلة لجر المجتمع بأكمله إلى مستنقع الإدمان، في حرب تستهدف الصحة العامة والسلم الأهلي.
وجه جديد لحرب هجينة 
أما الكاتب والمحلل السياسي عماد موسى، فيحذر من تصاعد نمط الحرب الهجينة التي تُمارَس ضد غزة، مشيرًا إلى أن هذه الحرب لم تعد تقتصر على القصف والتدمير، بل امتدت إلى استخدام أدوات غير تقليدية مثل المواد الكيميائية والمخدرات والتكنولوجيا السيبرانية.

ويقول موسى إن إدخال السموم والمخدرات في الغذاء ليس حادثاً فردياً، بل جزء من استراتيجية خبيثة تهدف إلى تدمير المجتمع الفلسطيني على المدى البعيد. ويطالب منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) بإجراء فحوصات دقيقة على كافة شحنات الغذاء الواصلة إلى القطاع.
اختراق للمساعدات وتحكم إسرائيلي مطلق 
البروفيسور جمال حرفوش، المختص في السياسات الدولية، يؤكد أن إدخال حبوب مخدرة داخل مساعدات غذائية يكشف عن نية خبيثة مبيتة تستهدف الفئات الأكثر هشاشة، كالنساء والشباب، عبر استهداف الطعام الأساسي في سلة الغذاء اليومي. 
ويضيف أن الاحتلال الإسرائيلي يفرض رقابة صارمة على كافة الشحنات الواصلة إلى غزة عبر المعابر، ما يجعل من الصعب تصديق أن مثل هذه المواد تسللت دون علم أو تواطؤ من الجهات المشرفة على التفتيش. 
ويدعو حرفوش إلى إنشاء لجان رقابة محايدة بالتعاون مع مؤسسات دولية متخصصة في فحص الأغذية، لضمان حماية سكان غزة من أدوات القتل غير المرئية.
تشويه صورة الفلسطينيين 
ويحذر الكاتب عدنان الصباح من أن تسريب خبر العثور على المخدرات قد يكون جزءًا من حملة موجهة لتشويه صورة الشعب الفلسطيني. ويقول إن تصوير الغزيين كمستهلكين للمخدرات، في ظل ظروف إنسانية كارثية، يخدم أهدافًا سياسية وأمنية تسعى لإضعاف التعاطف الدولي مع قضيتهم. 
ويشير إلى أن الاحتلال يتحكم بكل ما يدخل إلى غزة عبر شركة إسرائيلية – أميركية يُشتبه بتورطها في قضايا أمنية، وهو ما يطرح علامات استفهام حول الجهات التي تقف خلف هذه الجريمة.
دعوات لتحقيق دولي ومحاسبة 
بدوره، دعا الصحفي نبهان خريشة إلى تحرك عاجل على مسارين: أولهما تحقيق دولي شفاف ومستقل بإشراف الأمم المتحدة، والثاني تشديد الرقابة على المساعدات عند نقاط الدخول إلى غزة. وحذر من أن استمرار التلاعب بالمساعدات يُعرض حياة المدنيين للخطر، ويشكل خرقًا واضحًا لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني. 
وشدد خريشة على ضرورة مساءلة الجهات المتورطة، مع تحميل الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي مسؤولية ضمان سلامة المساعدات الإنسانية. 
ختامًا، تقف غزة اليوم أمام تهديد جديد لا يُرى بالعين المجردة، لكنه لا يقل خطورة عن القنابل والصواريخ. فبينما يسعى الفلسطينيون إلى تأمين لقمة العيش، يجدون أنفسهم أمام خطر خفي يتسلل إلى طعامهم ليقوّض أجسادهم ونفوسهم. في ظل غياب رقابة دولية حقيقية، تزداد المطالبات بتحقيق العدالة، وبتوفير الغذاء النظيف كأبسط حقوق الحياة في وجه آلة الحرب الصامتة. 

 

تعليقات