أزمة السيولة تخنق المواطنين في غزة

 


فلسطين24: نورهان أبو ربيع – غزة

يواجه سكان قطاع غزة أزمة مالية خانقة تُضاف إلى معاناتهم المستمرة منذ سنوات، إلا أنها بلغت مستويات غير مسبوقة منذ اندلاع الحرب الأخيرة، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في نسبة العمولات على استلام النقد (الكاش)، واختفاء شبه تام لبعض الفئات الورقية، وتحوّل النقد من أداة يومية إلى "سلعة نادرة" تخضع لقوانين السوق السوداء.

أزمة مركبة: حرب وحصار وانهيار مالي

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر 2023، تعرضت البنوك المحلية للشلل الكامل، بعد استهداف عدد من الفروع وتعذّر وصول الموظفين والعملاء إليها. وعلى مدار الأشهر التالية، مُنع إدخال السيولة النقدية إلى القطاع، سواء عبر السلطة الفلسطينية أو منظمات الإغاثة، مما أدى إلى نفاد تدريجي للأموال المتوفرة داخل السوق المحلي.

وزادت الأزمة تعقيدًا بسبب لجوء بعض التجار وشركات تحويل الأموال إلى استغلال الوضع، من خلال فرض عمولات مرتفعة جدًا على أي عملية سحب أو استلام أموال محوّلة من الخارج أو من الداخل الفلسطيني.

عمولات تصل إلى 50%

بحسب ما رصدته "التقرير"، تراوحت نسبة العمولة خلال الأسبوع الأخير بين 40 و50%، ما يعني أن المواطن يستلم فقط نصف المبلغ المحوّل له. وقال الشاب محمد، وهو أحد المتضررين من هذه الأزمة:
"نسبة العمولة وصلت اليوم إلى 50%، ولا أستطيع تلبية احتياجاتي اليومية. من مبلغ ألف شيكل، لا يتبقى لي سوى 500 شيكل فقط."

وأضاف: "لا توجد بدائل، ولا حلول. إما أن تقبل بهذه النسبة أو تُحرم من المال تمامًا."

فئات نقدية مفقودة

لم تتوقف آثار الأزمة عند العمولات فقط، بل امتدت إلى تراجع حاد في تداول بعض الفئات النقدية. فئة الـ10 شيكل أصبحت غير متوفرة منذ شهور، فيما قلت فئة الـ20 شيكل الورقية بشكل كبير، مما أربك عمليات البيع والشراء، خاصة في الأسواق الشعبية ووسائل النقل والمحال الصغيرة.

وقال بائع الخضار أبو حسن:
"لا أملك فكة لأُعيدها للزبائن. أحيانًا أضطر لتعويضهم بكيس خضار أو قطعة بصل بدلًا من النقود."

الخبراء: غياب السلطة والرقابة فاقم الأزمة

يرى مختصون اقتصاديون أن هذه الأزمة ناتجة عن خلل بنيوي في النظام المالي داخل القطاع، إلى جانب عوامل الحرب والحصار. وقال الخبير الاقتصادي د. سامي عوض:
"كان يجب على الجهات المعنية وضع آلية لإدخال السيولة أو على الأقل مراقبة عمليات السحب والتحويل، لكن غياب السلطة المصرفية وغياب أدوات الضبط جعلت السوق يتحول إلى غابة."

وأشار إلى أن استمرار هذه الأزمة دون تدخل، سيؤدي إلى انهيار كامل في النشاط الاقتصادي القائم على النقد، ويؤثر على قدرة الناس على تأمين أساسيات الحياة.

مواطنون بين الغضب والاستسلام

وعلى منصات التواصل الاجتماعي، عبّر مئات المواطنين عن استيائهم من استغلال التجار وشركات الحوالات للظروف الراهنة، وتداولوا شهادات توضح كيف يُستنزف دخل العائلات على يد وسطاء التحويل.

في المقابل، يشعر آخرون بالعجز، معتبرين أن الأزمة أكبر من قدرة الأفراد على المواجهة، في ظل الحصار الشامل واستمرار العمليات العسكرية، وانعدام البدائل الاقتصادية.

خاتمة: المواطن يدفع الثمن دائمًا

تحوّلت أزمة السيولة في غزة من مشكلة مالية إلى مأساة إنسانية، تعكس حجم الانهيار الذي يعيشه القطاع تحت الحصار والعدوان. وفي ظل غياب أي حلول ملموسة أو تدخلات دولية عاجلة، يبقى المواطن الغزّي هو الضحية الكبرى في مشهد لا يرحم، تُنهك فيه الكرامة، وتُبتلع فيه أبسط الحقوق في لقمة العيش والنقد.

 

تعليقات