إعداد: منيب أبو سعادة – خاص:فلسطين 24
رغم مرور عامين على العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وبعد الاتفاق الأخير لوقف إطلاق النار، ما تزال آثار الحرب ماثلة في كل زاوية من القطاع. فالشوارع المهدّمة والمنازل المدمّرة ومخيمات النزوح الممتدة تروي حكاية مأساة لم تنتهِ بعد. وبرغم الهدوء النسبي الذي أعقب وقف النار، يعيش آلاف الفلسطينيين واقعًا قاسيًا بلا مأوى ولا بنية تحتية، فيما يبقى حلم العودة إلى البيوت وإعادة الإعمار مؤجلًا إلى إشعارٍ آخر.
ما تزال آلاف العائلات النازحة تعيش بين الخيام والملاجئ في ظروف إنسانية بالغة الصعوبة، غير قادرة على العودة إلى منازلها التي دمّرها القصف أو باتت غير صالحة للسكن. ويعكس المشهد في المناطق الشرقية من القطاع، لا سيما شرق خانيونس وحي الشجاعية ورفح، حجم الكارثة التي حلّت بالمدنيين، بعدما سُوّيت أحياءٌ كاملة بالأرض وانهارت معها مقوّمات الحياة.
في تلك المناطق التي كانت تعجّ بالحياة ذات يوم، لا شيء يعلو سوى الغبار والركام. الطرق التي كانت تربط الأحياء تحوّلت إلى حفرٍ عميقة، والمنازل التي كانت تؤوي الأسر الفلسطينية أصبحت أكوامًا من الحجارة والحديد الملتوي. ومن بين الأنقاض، يطلّ الأطفال بوجوهٍ مغبّرةٍ وعيونٍ متعبة، يبحثون عن بقايا ألعابهم القديمة، في مشهدٍ يختصر مأساة جيلٍ كاملٍ وُلد في الرماد ولم يعرف للطفولة طعمًا سوى بين الدمار.
نزوح متكرر ومعاناة دائمة
يقول النازحون إنهم يعيشون حلقةً لا تنتهي من الترحال القسري، فمنهم من نزح أكثر من عشر مرات بحثًا عن الأمان، ومنهم من فقد بيته وأحباءه معًا. ومع توقف القصف، عاد بعض السكان إلى مناطقهم ليكتشفوا أن بيوتهم لم تعد موجودة، وأن ما تبقى منها لا يصلح للسكن.
في شرق خانيونس كما في الشجاعية ورفح، تتشابه المشاهد وتتوحد المأساة. مئات العائلات تفترش الأرض قرب أنقاض منازلها المدمرة، تبحث عن ظلٍّ أو جدارٍ يقيها البرد والريح، بعد أن فقدت كل شيء. الأحياء التي كانت تضج بالحياة تحولت إلى مناطق شبه مهجورة، لا ماء فيها ولا كهرباء، ولا أي من مقومات الحياة الأساسية. لا فرق بين بيت دُمّر في خانيونس أو آخر في الشجاعية، فالجميع يواجه المصير ذاته: خراب شامل، وبردٌ يلسع الجسد، وأملٌ مؤجل بالعودة والإعمار.
دمار شامل وانهيار للبنية التحتية
تسببت الغارات الإسرائيلية في تدمير واسع للبنية التحتية في مختلف مناطق القطاع، بما في ذلك شبكات المياه والكهرباء والاتصالات والصرف الصحي. وفي كثير من المناطق، لم تعد هناك طرق صالحة للوصول إليها إلا عبر مسالك ترابية ضيقة تستخدمها فرق الإغاثة بصعوبة. كما أن انعدام الوقود ونقص المعدات أعاق عمليات إزالة الركام وإعادة التأهيل.
البلديات المحلية تعاني من عجزٍ حادٍ في الإمكانيات، إذ تفتقر للآليات والكوادر الفنية اللازمة، في وقتٍ تتزايد فيه شكاوى المواطنين من انتشار الأمراض نتيجة تلوث المياه وتراكم النفايات في المناطق المدمرة. ومع كل يومٍ يمر، تتفاقم معاناة الناس وسط عجزٍ تام عن تلبية أبسط احتياجاتهم اليومية.
وأشارت منظمات دولية، من بينها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA) والبنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، إلى أن حجم الدمار في قطاع غزة غير مسبوق في التاريخ الحديث، إذ تبيّن في أحدث التقارير الصادرة في منتصف عام 2025 أن ما يقارب 85% من مباني القطاع تضررت أو دُمّرت بشكل كلي أو جزئي، بما في ذلك عشرات الآلاف من الوحدات السكنية والمرافق الحيوية. وأكدت تلك المنظمات أن الدمار الواسع شمل المدارس والمستشفيات وشبكات المياه والكهرباء، مما جعل غزة منطقة غير صالحة للحياة، وتحتاج إلى سنوات طويلة لإعادة الإعمار وتوفير الحد الأدنى من مقومات المعيشة.
أحلام العودة تتلاشى
تقول أم محمد، وهي نازحة من شرق خانيونس، إن عائلتها كانت تنتظر انتهاء الحرب لتعود إلى منزلها، لكنها عندما وصلت إلى الحي لم تجد سوى الرماد. تضيف بحزن: "حتى الحيطان التي كانت تسند ذكرياتنا لم تعد موجودة، لم يعد هناك ما نعود إليه."
أما أبو خالد، من حي الشجاعية، فقد عاد ليتفقد منزله بعد شهور من النزوح، فوجده منهارًا بالكامل. يقول: "كل ما بنيته خلال عشرين عامًا انتهى في لحظة، نحن اليوم بلا مأوى، نعيش على المساعدات وعلى أمل بعيد بإعادة الإعمار."
أزمة إنسانية بلا أفق
تقدّر المنظمات الإنسانية أن عشرات الآلاف من النازحين ما زالوا بلا مأوى دائم، ويواجهون ظروفًا معيشية قاسية داخل مراكز الإيواء المؤقتة أو الخيام، في ظل نقص حاد في المياه والغذاء والدواء. ومع استمرار الحصار الإسرائيلي وتباطؤ جهود الإعمار، تبدو الأزمة الإنسانية في غزة بلا نهاية قريبة.
الكثير من النازحين فقدوا مصادر رزقهم، فيما توقفت الخدمات الصحية والتعليمية في المناطق الشرقية بسبب الدمار الكبير الذي لحق بالمستشفيات والمدارس. الأطفال الذين نجوا من القصف يواجهون اليوم واقعًا بلا مدارس ولا بيئة آمنة، وسط غياب أفقٍ واضحٍ للحياة الطبيعية.
وتظلّ قضية النازحين في غزة جرحًا مفتوحًا، عنوانها الألم، ومضمونها صبرٌ لا ينكسر. فبين الركام والخراب، يواصل هؤلاء الناس الحياة بقدر ما تسمح لهم الظروف، متشبّثين بحقّ العودة إلى منازلهم، ولو كانت أطلالًا.
وفي ظلّ غياب الحلول الحقيقية وغياب أيّ إعمار فعلي بعد توقّف الحرب، تبقى آلاف العائلات الفلسطينية معلّقةً بين أملٍ ووجعٍ، تنتظر أن ينتهي هذا الكابوس الطويل، وأن تعود إلى بيتٍ يعيد إليها بعضًا من الحياة التي سُرقت منها تحت القصف.
رغم مرور عامين على العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وبعد الاتفاق الأخير لوقف إطلاق النار، ما تزال آثار الحرب ماثلة في كل زاوية من القطاع. فالشوارع المهدّمة والمنازل المدمّرة ومخيمات النزوح الممتدة تروي حكاية مأساة لم تنتهِ بعد. وبرغم الهدوء النسبي الذي أعقب وقف النار، يعيش آلاف الفلسطينيين واقعًا قاسيًا بلا مأوى ولا بنية تحتية، فيما يبقى حلم العودة إلى البيوت وإعادة الإعمار مؤجلًا إلى إشعارٍ آخر.
ما تزال آلاف العائلات النازحة تعيش بين الخيام والملاجئ في ظروف إنسانية بالغة الصعوبة، غير قادرة على العودة إلى منازلها التي دمّرها القصف أو باتت غير صالحة للسكن. ويعكس المشهد في المناطق الشرقية من القطاع، لا سيما شرق خانيونس وحي الشجاعية ورفح، حجم الكارثة التي حلّت بالمدنيين، بعدما سُوّيت أحياءٌ كاملة بالأرض وانهارت معها مقوّمات الحياة.
في تلك المناطق التي كانت تعجّ بالحياة ذات يوم، لا شيء يعلو سوى الغبار والركام. الطرق التي كانت تربط الأحياء تحوّلت إلى حفرٍ عميقة، والمنازل التي كانت تؤوي الأسر الفلسطينية أصبحت أكوامًا من الحجارة والحديد الملتوي. ومن بين الأنقاض، يطلّ الأطفال بوجوهٍ مغبّرةٍ وعيونٍ متعبة، يبحثون عن بقايا ألعابهم القديمة، في مشهدٍ يختصر مأساة جيلٍ كاملٍ وُلد في الرماد ولم يعرف للطفولة طعمًا سوى بين الدمار.
نزوح متكرر ومعاناة دائمة
يقول النازحون إنهم يعيشون حلقةً لا تنتهي من الترحال القسري، فمنهم من نزح أكثر من عشر مرات بحثًا عن الأمان، ومنهم من فقد بيته وأحباءه معًا. ومع توقف القصف، عاد بعض السكان إلى مناطقهم ليكتشفوا أن بيوتهم لم تعد موجودة، وأن ما تبقى منها لا يصلح للسكن.
في شرق خانيونس كما في الشجاعية ورفح، تتشابه المشاهد وتتوحد المأساة. مئات العائلات تفترش الأرض قرب أنقاض منازلها المدمرة، تبحث عن ظلٍّ أو جدارٍ يقيها البرد والريح، بعد أن فقدت كل شيء. الأحياء التي كانت تضج بالحياة تحولت إلى مناطق شبه مهجورة، لا ماء فيها ولا كهرباء، ولا أي من مقومات الحياة الأساسية. لا فرق بين بيت دُمّر في خانيونس أو آخر في الشجاعية، فالجميع يواجه المصير ذاته: خراب شامل، وبردٌ يلسع الجسد، وأملٌ مؤجل بالعودة والإعمار.
دمار شامل وانهيار للبنية التحتية
تسببت الغارات الإسرائيلية في تدمير واسع للبنية التحتية في مختلف مناطق القطاع، بما في ذلك شبكات المياه والكهرباء والاتصالات والصرف الصحي. وفي كثير من المناطق، لم تعد هناك طرق صالحة للوصول إليها إلا عبر مسالك ترابية ضيقة تستخدمها فرق الإغاثة بصعوبة. كما أن انعدام الوقود ونقص المعدات أعاق عمليات إزالة الركام وإعادة التأهيل.
البلديات المحلية تعاني من عجزٍ حادٍ في الإمكانيات، إذ تفتقر للآليات والكوادر الفنية اللازمة، في وقتٍ تتزايد فيه شكاوى المواطنين من انتشار الأمراض نتيجة تلوث المياه وتراكم النفايات في المناطق المدمرة. ومع كل يومٍ يمر، تتفاقم معاناة الناس وسط عجزٍ تام عن تلبية أبسط احتياجاتهم اليومية.
وأشارت منظمات دولية، من بينها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA) والبنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، إلى أن حجم الدمار في قطاع غزة غير مسبوق في التاريخ الحديث، إذ تبيّن في أحدث التقارير الصادرة في منتصف عام 2025 أن ما يقارب 85% من مباني القطاع تضررت أو دُمّرت بشكل كلي أو جزئي، بما في ذلك عشرات الآلاف من الوحدات السكنية والمرافق الحيوية. وأكدت تلك المنظمات أن الدمار الواسع شمل المدارس والمستشفيات وشبكات المياه والكهرباء، مما جعل غزة منطقة غير صالحة للحياة، وتحتاج إلى سنوات طويلة لإعادة الإعمار وتوفير الحد الأدنى من مقومات المعيشة.
أحلام العودة تتلاشى
تقول أم محمد، وهي نازحة من شرق خانيونس، إن عائلتها كانت تنتظر انتهاء الحرب لتعود إلى منزلها، لكنها عندما وصلت إلى الحي لم تجد سوى الرماد. تضيف بحزن: "حتى الحيطان التي كانت تسند ذكرياتنا لم تعد موجودة، لم يعد هناك ما نعود إليه."
أما أبو خالد، من حي الشجاعية، فقد عاد ليتفقد منزله بعد شهور من النزوح، فوجده منهارًا بالكامل. يقول: "كل ما بنيته خلال عشرين عامًا انتهى في لحظة، نحن اليوم بلا مأوى، نعيش على المساعدات وعلى أمل بعيد بإعادة الإعمار."
أزمة إنسانية بلا أفق
تقدّر المنظمات الإنسانية أن عشرات الآلاف من النازحين ما زالوا بلا مأوى دائم، ويواجهون ظروفًا معيشية قاسية داخل مراكز الإيواء المؤقتة أو الخيام، في ظل نقص حاد في المياه والغذاء والدواء. ومع استمرار الحصار الإسرائيلي وتباطؤ جهود الإعمار، تبدو الأزمة الإنسانية في غزة بلا نهاية قريبة.
الكثير من النازحين فقدوا مصادر رزقهم، فيما توقفت الخدمات الصحية والتعليمية في المناطق الشرقية بسبب الدمار الكبير الذي لحق بالمستشفيات والمدارس. الأطفال الذين نجوا من القصف يواجهون اليوم واقعًا بلا مدارس ولا بيئة آمنة، وسط غياب أفقٍ واضحٍ للحياة الطبيعية.
وتظلّ قضية النازحين في غزة جرحًا مفتوحًا، عنوانها الألم، ومضمونها صبرٌ لا ينكسر. فبين الركام والخراب، يواصل هؤلاء الناس الحياة بقدر ما تسمح لهم الظروف، متشبّثين بحقّ العودة إلى منازلهم، ولو كانت أطلالًا.
وفي ظلّ غياب الحلول الحقيقية وغياب أيّ إعمار فعلي بعد توقّف الحرب، تبقى آلاف العائلات الفلسطينية معلّقةً بين أملٍ ووجعٍ، تنتظر أن ينتهي هذا الكابوس الطويل، وأن تعود إلى بيتٍ يعيد إليها بعضًا من الحياة التي سُرقت منها تحت القصف.