ترامب-نتنياهو: وهم السلام و واقع الاحتلال

آمال الرطروط
الكاتب: آمال الرطروط
حين أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن ما أُطلق عليه “صفقة السلام”، بدا واضحاً أن المشروع لا ينطلق من مقاربة لإنهاء الاحتلال أو تحقيق العدالة للفلسطينيين، بل من تصور استراتيجي يهدف إلى إعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم أولويات واشنطن وتل أبيب. الاتفاقية لم تضع الفلسطينيين في مركز المعادلة، بل جعلتهم طرفاً ثانوياً في مشروع تطبيع إقليمي أوسع.
فغزة لم تكن محوراً لحلول واقعية لإنهاء الحرب و المقتلة القائمة، بل ساحة ضغوط وتهديدات للفلسطينيين. وإيقاف هذه المجزرة تم ربطه بمدى تجاوب جميع الفصائل الفلسطينية مع الشروط الأمنية والسياسية الإسرائيلية، فالمسألة الان لم تعد نزع سلاح حماس و استسلامها و لكن أيضاً فرض واقع الإحتلال و قبوله على الفلسطينيين, وإذا تم رفض هذا الاتفاق، ستستمر إسرائيل في هذه المقتلة مما يعني أن خطة الحصار الطويل الذي يعاني منه أكثر من مليوني فلسطيني في غزة و الاستيطان في الضفة الغربية سيستمر استخدامها كورقة ضغط، لا كأزمة إنسانية تستوجب حل عاجل.
الدولة الفلسطينية: فكرة على الهامش
أما على مستوى المشروع الوطني الفلسطيني، فقد جاءت إتفاقية ترامب لتقوّض فكرة “حل الدولتين” ، فالاتفاقية شرعنت الاستيطان في الضفة الغربية التي تحولت مدنها الي ما يشبه جيتوهات محاصرة بالمستوطنات، ومنحت القدس لإسرائيل، وأبقت السيطرة الإسرائيلية الأمنية بيدها حتى في حال قيام كيان فلسطيني منزوع السلاح. وبذلك، تحوّل الحديث عن “الدولة الفلسطينية” من دولة ذات سيادة حقيقية إلى مجرد سلطة إدارية محدودة الصلاحيات.
نتنياهو: تلميع صورة مجرم حرب
إلى جانب الأبعاد الاستراتيجية لإتفاقية ترامب، لا يمكن إغفال البعد الشخصي، فهذه الاتفاقية ليست سوى محاولة لإعادة تقديم نتنياهو على الساحة الدولية ليس كمجرم حرب متهم بإنتهاكات جسيمة في غزة والضفة حسب القوانين الدولية، بل كرجل دولة يقود مشروع “سلام تاريخي” و لتسويق إسرائيل كدولة تسعى للسلام بعد اهتزاز صورتها أمام شعوب العالم في تناقض صارخ مع ما يحدث من مجازر في غزة وواقع الاحتلال المستمر على الأرض في فلسطين.
البُعد الإقليمي: التطبيع أولاً
الأهم أن الاتفاقية مهّدت الطريق لإتفاقيات “أبراهام”، أي مسار التطبيع العربي-الإسرائيلي، تطبيع قُدم فيه تنازلات كبيرة لصالح إسرائيل في مقابل الحقوق الفلسطينية في الارض و الحرية من الاحتلال. وهكذا تحولت القضية الفلسطينية من جوهر الصراع إلى ملف مؤجل في معادلة إقليمية تُدار بعقلية ترامب “السلام مقابل التنمية الاقتصادية” بينما تبقى الحقوق السياسية مؤجلة إلى أجل غير مسمى.
اتفاقية ترامب-نتنياهو لم و لن تكون خطوة نحو تسوية عادلة، بل محاولة لإعادة ترتيب المشهد الإقليمي على حساب الفلسطينيين، فغزة بقيت تحت الحصار والابتزاز و الاستيطان يتوغل في جسد الضفة الغربية ومشروع الدولة الفلسطينية أُضعف إلى حد التلاشي، وفي المقابل جرى تلميع صورة نتنياهو وتسويق إسرائيل كدولة سلام.. و في النهاية ما يُعرض على الفلسطينيين ليس سلاماً، بل تثبيتاً لوقائع الاحتلال تحت غطاء ”الشرق الأوسط الجديد”.

 

تعليقات