الجمعيات التعاونية التي نريد...

محمد الرواشده
محمد الرواشده
الكاتب: محمد الرواشده
ثمة ما يفرض علينا جميعا تبني نهج مغاير يحقق الطموحات و الامال بواقعية و عقلانية، يدفعنا بروية الى الوقوف بوضوح مع انفسنا و مع غيرنا، لنستخلص الدروس و العبر و و يمكننا من السير معا الى افاق واسعة نجسد فيها الانتماء و العطاء ، و نعيد من خلاله الحضور الفاعل للجمعيات التعاونية في فلسطين.
في وطننا الذي يعيش تحت وطأة احتلال غاشم يستبيح حياتنا و يحيلها الى دمار و خراب، نواجه و شعبنا عدوانية و وحشية تهدف لتخريب معالم الحياة، و تسعى لتدمير المقدرات و المقومات، فإننا احوج ما نكون الى قطاع تعاوني فاعل كونه يمثل اقتصادا تضامنيا يوفر الوسائل الكفيلة بتحسين ظروف المعيشة و معالجة اي اختلالات و معيقات.
و تكمن خصوصية التعاونيات في فلسطين كونها ترتبط بشكل كبير بالصمود الوطني وتحدي سياسات الاحتلال، إضافة الى أنها تعد أداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في ظل الظروف الصعبة مثل البطالة وتحديات الحصار. كما تتميز التعاونيات بأنها وسيلة للتمسك بالأرض، ومواجهة التهميش، وتحقيق الاعتماد على الذات في مواجهة الأزمات الاقتصادية
و التعاونيات التي يمكن البناء عليها ، هي تلك التي تدار من قبل اعضائها بعيدا عن الانانية و الوصاية و الشعارات الجوفاء، و هي التي تعتمد اساسا على جهود الاعضاء في كل نشاط و عمل ،و بالإضافة الى هذا فانه ينبغي ان تلبي هذه التعاونيات التطلعات و الاحتياجات، بما يحدث انعكاسا ايجابيا على واقع الحياة اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا و بيئيا و غير ذلك من المناحي و المجالات.
وحتى تنجح التعاونيات في ادائها، عليها ان لا تركن الى التمويل الخارجي، لأنها اذا كرست عملها للحصول على هذه المنحة او تلك، قد تكون بذلك قد بدأت اولى محطاتها مع التراجع و البعد عن اساسيات عملها بصفتها جمعية تعاونية تعتمد على ما يقدمه الأعضاء من مساهمة و فكر و جهد مبني على قيم العدل و التضامن و المساواة، وفق نظام داخلي يحكم عملها .
و اذا نظرنا الى كيفية ادارة الجمعية التعاونية، فانه بات من البديهي القول ان لا يمكن لمؤسسة ان تنجح دون ادارة سليمة تعمل بروح الفريق الواحد الذي يعد الخطط و يرسم السياسات بواقعية و عقلانية، مع ضرورة الابتعاد عن المصالح الشخصية و الضيقة التي توفر الغطاء للتراجع و التوقف عن استمرار مسيرة العمل .
و الادارة كما هو معلوم علم و فن يبنى بخطوات مدروسة من خلال التخطيط، والتنظيم، والتوظيف، والتوجيه، و هذا امر واجب لا انتقائية في تنفيذه، و لا مناص من السير عبره بما يفضي الى تعزيز الشفافية و المسائلة و الافصاح و الوضوح ، و هذا من شأنه ان يكون دعامة قوية لهيكل الجمعية ككل ، و كل ادارة لا تلقي اهتماما بتنظيم العمل و لا تلتزم بالأدوار و الصلاحيات تكون بذلك قد زرعت البذرة الاولى للخلاف و لنشوء الاشكاليات التي سترتد سلبا على الجمعية بشكل عام.
و يجدر بالتعاونيات حتى تسير في طريق النجاح ان تعمل على أساس التمكين من خلال توفير فرص عمل خاصة للنساء والشباب، لتعزيز صمودهم وتحسين أوضاعهم المعيشية، و هذا يجب ان يترافق مع مبادئ الحوكمة التي تستند الى قانون الجمعيات التعاونية و تحقيق الشفافية، والعدالة و الاستقلالية و المساءلة و المصداقية،
و يجب ان يضع القائمون على التعاونيات نصب اعينهم أهمية الاستدامة في الاعمال و المشاريع التي تقوم بها الجمعيات، بما يؤدي الى البعد عن العشوائية في العمل و التخطيط السليم و تنفيذ الأدوار بحكمة و دراسة وفق نهج اداري يعتمد التشاور و التواصل بين الأعضاء، للوصول الى المأمول في تلبية احتياجات الأعضاء و خدمة المجتمع المحلي.
أن مجابهة التحديات الهيكلية و الاقتصادية الماثلة امام التعاونيات و منها على سبيل الحصر عدم تكافؤ المنافسة في السوق و الاعتماد على التمويل الخارجي، والتأسيس الشكلي للتعاونيات و صغر حجم رأس المال، و نقص الكفاءات الإدارية، و صعوبة التسويق، وضعف الوعي التعاوني، يستلزم التركيز على تحسين الأداء المالي والإداري، وتطوير كفاءة الأعضاء وتحسين المهارات الفنية والإدارية لهم، عبر التخطيط الاستراتيجي، والاستفادة من التكنولوجيا والمعلومات المتاحة لزيادة الاستدامة والقدرة التنافسية للتعاونيات ذاتها و بالتوازي مع ذلك يجب وجود تكامل في العمل بين جميع المؤسسات ذات العلاقة لتنمية عمل التعاونيات و تمكنيها من تجاوز كل هذه الصعوبات للوصول الى رفع نسبة مساهمة القطاع التعاوني في الاقتصاد و التنمية .
ان نجاح التعاونيات في فلسطين يمثل نافذة جديدة يعول عليها لأحداث تنمية حقيقة، تساعد في وضع الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية و التعليمية و الثقافية. لا سيما انها تحمل في طياتها إمكانيات هائلة للمساهمة في بناء اقتصاد وطني مستقل قادر على الصمود، وهي تستحق كل الدعم والاهتمام من المجتمع والحكومة والمؤسسات المعنية بهذا النموذج من الاقتصاد التضامني.
قصارى القول ؛التعاونيات ليست مجرد مؤسسات اقتصادية، بل هي تعبير عن روح وثابة يمتلكها الشعب الفلسطيني و فيها قيم نبيلة تبنى على التعاون والتضامن في مواجهة أصعب الظروف، و الواجب علينا ان لا نغفل قيمتها و ان نسلط الضوء عليها لانها احدى الوسائل الكفيلة بوضع الحلول و مواجهة الازمات.

 

تعليقات