2026: ماذا ينتظرنا نحن؟


الكاتب: رانية مرجية 
لا يطلّ عام 2026 كعامٍ جديد بقدر ما يأتينا كاستمرارٍ ثقيل لما لم يُحسَم.نستقبله ونحن أكثر تعبًا من أن نُفاجأ، وأكثر وعيًا من أن نُخدَع، وأقلّ قدرة على تصديق أن الزمن وحده كفيلٌ بالإصلاح.
نصل إلى هذا العام بعد سلسلة أحداث لم تُغيّر فقط خرائط السياسة، بل أعادت تشكيل علاقتنا بالعالم وبأنفسنا. لم تعد الكوارث استثناءً، بل أصبحت سياقًا دائمًا، ولم يعد السؤال: ماذا يحدث؟ بل: كيف أصبح ما يحدث مقبولًا؟
غزة: حين تنكشف القيمة الإنسانية
في 2026، لن تكون غزة فصلًا من الماضي القريب، بل اختبارًا أخلاقيًا مفتوحًا.
ما جرى هناك لم يكن فقط تدميرًا للبنية التحتية، بل كشفًا فجًّا لميزان القيم العالمي، حيث تُصنَّف الأرواح، وتُبرَّر الجرائم بلغةٍ قانونية باردة، ويُدار الصمت باعتباره موقفًا سياسيًا مشروعًا.
غزة لم تفضح قوة السلاح فحسب، بل هشاشة الضمير الدولي، وأكدت من جديد أن الفلسطيني لا يزال مضطرًا لإثبات إنسانيته في عالمٍ يفترض أن الإنسانية فيه بديهية.
الداخل الفلسطيني: حياة على هامش الأولويات
أما في الداخل، فنستقبل 2026 ونحن نعيش مفارقة دائمة: نحن حاضرون في المكان، غائبون عن القرار. نحمل صفة المواطنة، لكننا نعيش شروط الهشاشة.
الصحة مؤجلة، التخطيط ناقص، والخدمات الأساسية تخضع لمنطق الانتظار لا لمنطق الحق.
أن ينتظر الإنسان فحصًا طبيًا حاسمًا، أو عدالة بطيئة، أو اعترافًا بكرامته، لم يعد حدثًا عابرًا، بل تجربة جمعية تتكرّر بصمت، حتى تكاد تتحوّل إلى أمر "طبيعي".
سياسة بلا أفق أخلاقي
سياسيًا، لا يبدو أن 2026 يحمل تحوّلًا جذريًا. ما ينتظرنا هو مزيد من إدارة الأزمات بدل حلّها، ومزيد من الخطاب الذي يطلب من الناس التفهّم، الصبر، وخفض سقف التوقعات.
لكن التاريخ يعلّمنا أن أخطر أشكال السيطرة ليست القمع المباشر، بل إقناع الإنسان بأن ما يعيشه هو أقصى ما يمكن الوصول إليه.
عالم يتقدّم.. ويتجاوز الإنسان
في هذا العام، سيواصل العالم الحديث عن الذكاء الاصطناعي، وعن قفزات تكنولوجية كبرى، فيما تتسع الفجوة بين التقدّم التقني والتراجع الأخلاقي.
ليست المشكلة في تطوّر الأدوات، بل في تآكل المعنى، وفي تحوّل الإنسان—خصوصًا الضعيف—إلى تفصيل قابل للتأجيل أو التجاهل.
الأمل: موقف لا شعار
هل يعني هذا أن 2026 عام بلا أمل؟ ليس تمامًا. لكنه أمل مختلف.
أمل لا يُختزل في وعود سياسية، ولا في تفاؤل ساذج، بل في الوعي والموقف.
أن نرفض التطبيع مع الظلم، أن نُسمّي الأشياء بأسمائها،
أن نكتب ونشهد ونُذكّر، حتى عندما يُطلب منا الصمت باسم الواقعية.
عام الأسئلة الصعبة
2026 ليس عامًا ننتظر فيه حلولًا جاهزة، بل عامٌ يُعيد طرح السؤال الجوهري: أيّ بشر نريد أن نكون في عالمٍ يتغيّر بسرعة، لكنه يتباطأ كثيرًا في الاعتراف بالحق؟
ليس المهم ما الذي سيحدث لنا في 2026، بل كيف سنقف مما يحدث.
وهل سنسمح للإنهاك أن يتحوّل إلى قبول، أم سنبقي الوعي حيًّا، بوصفه آخر أشكال المقاومة الممكنة.


تعليقات