الرئيس نيكولاس مادورو: وعي مقاوم وثبات على ثابت فنزويلا

مراد السوداني: الأمين العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين
  مراد السوداني: الأمين العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين
الكاتب: مراد السوداني: الأمين العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين
حلّ وفد فلسطين الثقافي والشعري ضيفَ شرفٍ على مهرجان فنزويلا الدولي للشعر في دورته الــ 19، الذي تحوّل إلى تظاهرة ثقافية مع غزة ضد الإبادة الجماعية والثقافية وانتصارًا لفلسطين وثقافتها المقاومة. في غمرة فعاليات المهرجان تمت دعوة الوفد الفلسطيني لحضور لقاء الرئيس الفنزويلي الفذّ نيكولاس مادورو، والذي يُبث أسبوعيًا على قناة الميادين. كان وفد فلسطين الوحيد الذي تمت دعوته من بين الوفود لحضور لقاء الرئيس مادورو، تأكيدًا على موقف الرئيس الثابت من فلسطين ونصرته لها على الأصعدة كافة بما يعزز صمودها ويظهر مظلمتها أمام العالم.
كان لقاء الرئيس ماتعًا، فأنت أمام شخصية كاريزمية تتمتع بانتباهة واسعة الظلال وذكاء حاد في تناول موضوعاته؛ إذ تطرق إلى موضوعات عديدة تغطي معظم القطاعات الثقافية والاقتصادية والسياسية والفنية، حتى إنه كان يناقش المؤلفين في إصداراتهم الجديدة ويقرأ شعرًا من إحدى المجموعات الشعرية ليهديه لزوجته بكل محبة وفرح. وعندما جاءت فقرة الفن ذات الطابع المصري امتشق العصا وقدم رقصة تتناغم مع الإيقاع الصعيدي، وقد خصّ وفد فلسطين بتحية خاصة مؤكدًا انتصاره لفلسطين وتضامنه الأكيد معها وهي تواجه الإبادة والذبح اليومي أمام الصمت الكوني.
شخصيته عالية الهيبة والجدية عندما يتحدث في السياسة وما تتعرض له فنزويلا من استهدافات وحصار ومحاولة لفرض إكراهات إمبريالية تحت ذرائع وحجج واهية وباهتة لا يُراد منها سوى استباحة فنزويلا ونهب خيراتها وثرواتها، وهو ما تفعله أمريكا مع كثير من الدول التي ترتضي الالتحاق والتبعية والذيلية، وقد فعلت الحصار ذاته في عهد الرئيس العظيم الراحل هوغو تشافيز الذي رفض الرضوخ والانصياع للهيمنة الأمريكية محافظاً على مقدّرات فنزويلا التي هي من حقها وشعبها، وظل على موقفه الشجاع مع فلسطين وقضيتها العادلة ولم يتزحزح عنه. وفي كل المنابر العالمية بقيت فلسطين على رأس الاهتمام والأولوية لديه، يجدد الانحياز والتضامن الكامل مع فلسطين التي هي رأس القضايا ونداء الحرية المستدام، وقد متّن وصلّب الرئيس مادورو موقفَ سلفه تشافيز وبنى عليه بكل صلابة وتحدٍّ محتملاً وبلاده كل ويلات التجويع والحصار للنيل من صمود فنزويلا وتماسك موقفها.
كنا سعداء ونحن نلمس وحدة وثبات النخبة الثقافية في فنزويلا في مواجهة محاولات خلق النخب البديلة التي تسعى أمريكا وأدواتها لتخليقها ومنحها الدعم لاستهداف الوعي الجمعي بما يعمّم ويعمّق الفوضى السوداء في جسد الدولة لانهيارها وترسيم أذرعهم الملغومة، وهو ما اعتادت عليه أمريكا في ثوراتها الملونة وشراذمهم وأقلام المثقفين للانقلاب على أوطانهم وتمزيقها مقابل أعطيات ومحفزات زائلة. وهو ما أوضحه مؤلف كتاب (من الذي دفع للزمار؟ الحرب الثقافية الباردة) لمؤلفه ف. س. سوندرز إذ يستعرض المؤلف بتفصيل عريض محاولات استلاب الثقافة الكونية لصالح أمريكا للنيل من الاتحاد السوفيتي حينها، والخطة إياها ما زالت تنمو وتتمدد بغير أسلوب ومحاولة لصياغة المجتمعات والدفع بنخب خمجة وموجّهة للواجهة والصدارة ، نخب موجّهة ملغومة بشعارات ظاهرها الرحمة وباطنها الدمار والاستلاب وهو ما شهدته بعض دول أمريكا اللاتينية في ثوراتها الملونة وربيعها المرّ.
وما مَنْح جائزة نوبل هذا العام للمعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو إلا مثالاً ساطعاً وصارخهاً على كيفية خيانة النخب السياسية أو الثقافية لبلدانها وتحولها إلى أداة طيعة في يد الغزاة يوجهونها ذات اليمين وذات الشمال. ماتشادو التي تريد استدعاء واستجلاب أمريكا لاحتلال وطنها، وقد عايشنا في الربيع العربي الأسود، والذي كان ربيعًا عبرياً مدعوماً من أمريكا، بالغ السوء والرداءة في تفكيك الدول العربية وتمكين الفوضى من فعل فعلها التدميري، وقد مُنحت نوبل الجائزة تحت مسمى "تعزيز الديمقراطية للشعب الفنزويلي". ماتشادو التي قالت: "نضال فنزويلا هو نفسه نضال إسرائيل"، وقد هنأها نتنياهو بفوزها بالتزامها بالديمقراطية والسلام العالمي وطلبها من أمريكا التدخل ضد بلادها فنزويلا.
وهنا تنهض صرخة الشاعر العراقي بدر شاكر السياب:
"إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون
فكيف يمكن أن يكون؟"
الأوطان بيوت واسعة نسكنها وتسكننا، والوطن لا يُؤجَّر ولا يُستبدل، إنه الحياة بكل ما تحمله من أسباب وسياقات نبيلة. من هنا فإن تشبث النخب بترابها وثوابتها ضرورة واجبة في مواجهة كل مساحات الاستهداف والسيطرة، وعليها أن تتقدم الصفوف؛ (لأن المثقف أول القتلى وآخر من يموت) كما قال الشاعر محمود درويش. من هنا التفات الدولة للمبدعين والكتاب يصبح أمرًا ملزمًا لحماية الوعي الجماعي من الاستهداف، وهو ما لمسناه في مشاركتنا المتكررة في المؤتمرات والندوات والمهرجانات في فنزويلا واهتمام الرئيس مادورو من خلال رافعة ثقافية وإعلامية وازنة وذات حضور مشهود له بالاقتداء والاقتدار، الصديق والرفيق Freddy Ñañez، نائب الرئيس للشؤون الثقافية والإعلامية والسياحة، الذي يتمتع بانتباه شاسعة في سياقه الثقافي والإعلامي ويشكل قنطرة عالية وراسخة في ترسيخ الهوية الوطنية الفنزويلية من خلال البعد الثقافي والإعلامي وما تقدمه مديرة مهرجان فنزويلا الدولي للشعر الشاعرة والفاعلة الثقافية Ana Maria.
لماذا نسوق ذلك كله؟ لأننا نؤمن حدّ الاعتقاد أن النخب الوطنية والمثقفين الحقيقيين هم القادرون على الحفاظ على الهوية الوطنية ومواجهة التغريب والاستلاب وكل ما يحرف ويمزق الوعي الجماعي. وما يواجه فنزويلا ربما يزحف نحو عديد دول أمريكا اللاتينية في ظل تلويح الولايات المتحدة بمهاجمة فنزويلا والضغط على الرئيس المتماسك مادورو لمغادرة السلطة، وهو ما فعلته مع عديد من رؤساء الدول العربية، وكل ذلك لوضع اليد من جديد على مقدرات فنزويلا وغيرها والتحكم بسياساتها، وهو ما يرفضه كل حر في هذا العالم الذي حولته الولايات المتحدة ومن معها إلى غابة تتوحش وتلتهم الحياة.
ستنتصر فنزويلا بثبات رئيسها وشعبها الصامد ونُخَبها الواثقة والصادقة والتي تعضّ على تراب فنزويلا بقلوبها.

 

تعليقات