![]() |
| رائد محمد الدبعي |
الكاتب: رائد محمد الدبعي
يتميّز إقليم " أرض الصومال " بموقع جيوسياسي بالغ الحساسية على ساحل خليج عدن، في شمال القرن الإفريقي، وعلى الضفة الجنوبية للبحر الأحمر المقابلة لليمن، يحدّه من الغرب جيبوتي، ومن الجنوب إثيوبيا، ومن الشرق خليج عدن، فيما يُعدّ قانونيًا جزءًا من الصومال وفق النظام الدولي القائم.
تاريخيًا، كان الإقليم محمية بريطانية حتى عام 1960، قبل أن يتحد طوعًا مع الصومال الإيطالي لإعلان قيام جمهورية الصومال، غير أن هذا الاتحاد سرعان ما كشف عن اختلالات بنيوية، تمثّلت في التهميش السياسي والاقتصادي للشمال، وغياب الشراكة المتكافئة في السلطة، إضافة إلى القمع الدموي الذي مارسه نظام سياد بري، ولا سيما في أواخر الثمانينيات. ومع انهيار الدولة الصومالية عام 1991، توافقت نخب وعشائر الشمال على إعلان الانفصال، مستندة إلى منطق " النجاة " وبناء كيان مستقر في محيط إقليمي مضطرب.
في هذا السياق، أعلنت " اسرائيل" اعترافها بإقليم أرض الصومال دولةً مستقلةً ذات سيادة، لتصبح الدولة الأولى والوحيدة التي تقدم على هذه الخطوة، وقد قوبل الاعتراف بردود فعل دولية وإقليمية رافضة، تنوّعت بين التأكيد الضمني على مبدأ وحدة أراضي الصومال، كما في موقف الأمم المتحدة، وإعادة التأكيد الصريح على هذا المبدأ كما فعلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وصولًا إلى الرفض القاطع والتنديد بالخطوة باعتبارها تهديدًا للاستقرار الإقليمي وانتهاكًا لسيادة الصومال، كما صدر عن الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، ودول مركزية مثل السعودية ومصر والجزائر وقطر وتركيا.
لا يمكن قراءة الاعتراف الإسرائيلي بمعزل عن الموقع الجيوسياسي الاستراتيجي لأرض الصومال، لا سيما أنها تقع مباشرة مقابل السواحل الخاضعة لسيطرة الحوثيين على خليج عدن. هذا الموقع يوفّر لإسرائيل، من منظور أمني–استراتيجي، شبكة نقاط ارتكاز إقليمية محتملة في بيئة بحرية باتت شديدة الاضطراب، فإسرائيل تفتقر إلى عمق استراتيجي فعلي على البحر الأحمر، إذ يقتصر حضورها المباشر على ميناء إيلات، ما يجعل أي تهديد للملاحة في باب المندب مسألة تمسّ أمنها القومي مباشرة.
من هنا، يندرج الاعتراف في إطار ما يمكن تسميته "حرب الظل في البحر الأحمر" ، فإسرائيل ترى في هذه الخطوة فرصة لتخفيف الضغط الذي يمارسه المحور الإيراني–الحوثي، وتطويق النفوذ الحوثي، وتحييد باب المندب، وتقليص قدرة إيران على خنق الملاحة الدولية عبر هذا الممر الحيوي، كما يتيح الاعتراف إمكانية تعاون استخباري وأمني غير مباشر، دون الظهور كقوة احتلال مباشرة، ودون الحاجة إلى إقامة قواعد عسكرية معلنة في إفريقيا، بما ينسجم مع نمط النفوذ الإسرائيلي القائم على الشراكات غير المعلنة والوجود منخفض البصمة.
إلى جانب البعد الأمني، تنظر إسرائيل إلى أرض الصومال بوصفها بوابة لتوسيع نفوذها خارج حدود الشرق الأوسط نحو القارة الإفريقية، فالإقليم يشكّل شريكًا يحتاج بشدة إلى الاعتراف الدولي والدعم الخارجي، ويتّسم في الوقت نفسه بضعف بنيوي يجعله أكثر قابلية لعلاقات غير متكافئة، في هذا الإطار، توظّف إسرائيل خطاب "التعاون التنموي" مستندة إلى خبراتها في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد، وهي قطاعات تحتاجها أرض الصومال لتعزيز قدرتها على الصمود وكسب شرعية دولية.
وتكمن إحدى نقاط "الجاذبية" الأساسية لأرض الصومال، ليس لإسرائيل وحدها بل لعدد من الفاعلين الدوليين، من أبرزهم الامارات، وتايوان، وأثيوبيا، في كونها كيانًا مستقرًا نسبيًا مقارنة بمحيطها، يُدار بحكومة ومؤسسات منذ أكثر من ثلاثة عقود، رغم غياب الاعتراف الدولي، هذا الاستقرار الواقعي، مقرونًا بالعزلة القانونية، يجعل الاعتراف الخارجي أداة ثمينة لكسر العزلة، ويحوّل الشرعية إلى سلعة سياسية قابلة للتبادل.
كما لا يمكن فصل الخطوة عن سياق " اتفاقيات ابراهيم "، لكن ضمن حدود جغرافية جديدة تتجاوز العالم العربي، فالاعتراف بأرض الصومال يقدّم إسرائيل بوصفها قوة إقليمية غير معزولة، قادرة على توسيع دائرة نفوذها وبناء شبكات علاقات في فضاءات جيوسياسية جديدة. وهو ما يخلق أوراق ضغط إقليمية وواقعًا تفاوضيًا جديدًا، يعزّز موقع إسرائيل في توازنات المنطقة، ويساعدها على كسر عزلتها السياسية الدولية، وتقديم نفسها لاعبًا دبلوماسيًا قادرًا على المبادرة لا الاكتفاء بردّ الفعل.
وأخيرًا، يندرج هذا الاعتراف ضمن نمط أوسع في الاستراتيجية الإسرائيلية قائم على “تقسيم المقسَّم” وتعميق الانقسامات في العالم العربي والإقليم، من السودان، مرورًا بإقليم كردستان العراق، والمناطق الدرزية في سوريا، وصولًا إلى أرض الصومال. في هذا الإطار، لا يُفهم الاعتراف بوصفه دعمًا مبدئيًا لحق تقرير المصير، بقدر ما يُقرأ كأداة سياسية انتقائية تُستخدم لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية بما يخدم مصالح القوة الإسرائيلية، حتى وإن كان الثمن زعزعة الاستقرار الإقليمي وإضعاف منظومة القانون الدولي.
يتميّز إقليم " أرض الصومال " بموقع جيوسياسي بالغ الحساسية على ساحل خليج عدن، في شمال القرن الإفريقي، وعلى الضفة الجنوبية للبحر الأحمر المقابلة لليمن، يحدّه من الغرب جيبوتي، ومن الجنوب إثيوبيا، ومن الشرق خليج عدن، فيما يُعدّ قانونيًا جزءًا من الصومال وفق النظام الدولي القائم.
تاريخيًا، كان الإقليم محمية بريطانية حتى عام 1960، قبل أن يتحد طوعًا مع الصومال الإيطالي لإعلان قيام جمهورية الصومال، غير أن هذا الاتحاد سرعان ما كشف عن اختلالات بنيوية، تمثّلت في التهميش السياسي والاقتصادي للشمال، وغياب الشراكة المتكافئة في السلطة، إضافة إلى القمع الدموي الذي مارسه نظام سياد بري، ولا سيما في أواخر الثمانينيات. ومع انهيار الدولة الصومالية عام 1991، توافقت نخب وعشائر الشمال على إعلان الانفصال، مستندة إلى منطق " النجاة " وبناء كيان مستقر في محيط إقليمي مضطرب.
في هذا السياق، أعلنت " اسرائيل" اعترافها بإقليم أرض الصومال دولةً مستقلةً ذات سيادة، لتصبح الدولة الأولى والوحيدة التي تقدم على هذه الخطوة، وقد قوبل الاعتراف بردود فعل دولية وإقليمية رافضة، تنوّعت بين التأكيد الضمني على مبدأ وحدة أراضي الصومال، كما في موقف الأمم المتحدة، وإعادة التأكيد الصريح على هذا المبدأ كما فعلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وصولًا إلى الرفض القاطع والتنديد بالخطوة باعتبارها تهديدًا للاستقرار الإقليمي وانتهاكًا لسيادة الصومال، كما صدر عن الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، ودول مركزية مثل السعودية ومصر والجزائر وقطر وتركيا.
لا يمكن قراءة الاعتراف الإسرائيلي بمعزل عن الموقع الجيوسياسي الاستراتيجي لأرض الصومال، لا سيما أنها تقع مباشرة مقابل السواحل الخاضعة لسيطرة الحوثيين على خليج عدن. هذا الموقع يوفّر لإسرائيل، من منظور أمني–استراتيجي، شبكة نقاط ارتكاز إقليمية محتملة في بيئة بحرية باتت شديدة الاضطراب، فإسرائيل تفتقر إلى عمق استراتيجي فعلي على البحر الأحمر، إذ يقتصر حضورها المباشر على ميناء إيلات، ما يجعل أي تهديد للملاحة في باب المندب مسألة تمسّ أمنها القومي مباشرة.
من هنا، يندرج الاعتراف في إطار ما يمكن تسميته "حرب الظل في البحر الأحمر" ، فإسرائيل ترى في هذه الخطوة فرصة لتخفيف الضغط الذي يمارسه المحور الإيراني–الحوثي، وتطويق النفوذ الحوثي، وتحييد باب المندب، وتقليص قدرة إيران على خنق الملاحة الدولية عبر هذا الممر الحيوي، كما يتيح الاعتراف إمكانية تعاون استخباري وأمني غير مباشر، دون الظهور كقوة احتلال مباشرة، ودون الحاجة إلى إقامة قواعد عسكرية معلنة في إفريقيا، بما ينسجم مع نمط النفوذ الإسرائيلي القائم على الشراكات غير المعلنة والوجود منخفض البصمة.
إلى جانب البعد الأمني، تنظر إسرائيل إلى أرض الصومال بوصفها بوابة لتوسيع نفوذها خارج حدود الشرق الأوسط نحو القارة الإفريقية، فالإقليم يشكّل شريكًا يحتاج بشدة إلى الاعتراف الدولي والدعم الخارجي، ويتّسم في الوقت نفسه بضعف بنيوي يجعله أكثر قابلية لعلاقات غير متكافئة، في هذا الإطار، توظّف إسرائيل خطاب "التعاون التنموي" مستندة إلى خبراتها في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد، وهي قطاعات تحتاجها أرض الصومال لتعزيز قدرتها على الصمود وكسب شرعية دولية.
وتكمن إحدى نقاط "الجاذبية" الأساسية لأرض الصومال، ليس لإسرائيل وحدها بل لعدد من الفاعلين الدوليين، من أبرزهم الامارات، وتايوان، وأثيوبيا، في كونها كيانًا مستقرًا نسبيًا مقارنة بمحيطها، يُدار بحكومة ومؤسسات منذ أكثر من ثلاثة عقود، رغم غياب الاعتراف الدولي، هذا الاستقرار الواقعي، مقرونًا بالعزلة القانونية، يجعل الاعتراف الخارجي أداة ثمينة لكسر العزلة، ويحوّل الشرعية إلى سلعة سياسية قابلة للتبادل.
كما لا يمكن فصل الخطوة عن سياق " اتفاقيات ابراهيم "، لكن ضمن حدود جغرافية جديدة تتجاوز العالم العربي، فالاعتراف بأرض الصومال يقدّم إسرائيل بوصفها قوة إقليمية غير معزولة، قادرة على توسيع دائرة نفوذها وبناء شبكات علاقات في فضاءات جيوسياسية جديدة. وهو ما يخلق أوراق ضغط إقليمية وواقعًا تفاوضيًا جديدًا، يعزّز موقع إسرائيل في توازنات المنطقة، ويساعدها على كسر عزلتها السياسية الدولية، وتقديم نفسها لاعبًا دبلوماسيًا قادرًا على المبادرة لا الاكتفاء بردّ الفعل.
وأخيرًا، يندرج هذا الاعتراف ضمن نمط أوسع في الاستراتيجية الإسرائيلية قائم على “تقسيم المقسَّم” وتعميق الانقسامات في العالم العربي والإقليم، من السودان، مرورًا بإقليم كردستان العراق، والمناطق الدرزية في سوريا، وصولًا إلى أرض الصومال. في هذا الإطار، لا يُفهم الاعتراف بوصفه دعمًا مبدئيًا لحق تقرير المصير، بقدر ما يُقرأ كأداة سياسية انتقائية تُستخدم لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية بما يخدم مصالح القوة الإسرائيلية، حتى وإن كان الثمن زعزعة الاستقرار الإقليمي وإضعاف منظومة القانون الدولي.
